للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشمول رحمته مع انه

لِلَّهِ المحيط بكل المظاهر الموجد المظهر لها مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى التصرف على وجه الاستقلال في العلويات والسفليات وما بينهما من الممتزجات لذلك يَخْلُقُ ما يَشاءُ فيها ارادة واختيارا حيث يَهَبُ بمقتضى فضله وجوده لِمَنْ يَشاءُ من عباده إِناثاً محضا من الأولاد وقدمهن للتدرج من الأدنى الى الأعلى ونكرهن لان النكارة مطلوبة في حقهن وَيَهَبُ ايضا لِمَنْ يَشاءُ منهم الذُّكُورَ الخلص عرفهم لأنهم اولى بالتعريف وأحرى بالمعرفة

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ويخلط لهم ذُكْراناً وَإِناثاً مجتمعين ممتزجين وَايضا يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ منهم عَقِيماً بلا ولد وايلاد إظهارا لكمال قدرته واشعارا بانه لا تأثير للوسائل والأسباب العادية حتى ينسب توالدهم وتناسلهم الى اجتماع الأزواج والزوجات منهم كما هو المتبادر الى الأحلام السخيفة وبالجملة إِنَّهُ سبحانه عَلِيمٌ باستعدادات عباده وقابلياتهم قَدِيرٌ على افاضة ما ينبغي لمن ينبغي كما ينبغي بمقتضى كرمه وجوده ارادة واختيارا بلا إيجاب والتزام من جانبه سبحانه. ثم لما شنع اليهود على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعيروه وطعنوا في نبوته مستهزئين به حيث قالوا له تهكما هلا تكلم الله معه ولم لم ينظر موسى الى الله تعالى إذ هو سبحانه أجل وأعلى من ان ينظر اليه العيون او يدركه الأبصار او يحيط به الآراء والأفكار انزل سبحانه هذه الآية تصديقا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم فقال

وَما كانَ اى ما صح وما جاز لِبَشَرٍ اى لجنسه وليس في وسعه واستعداده أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ مشافهة بلا سترة وحجاب إذ لا مناسبة بين المحدود والمحبوس في مضيق الابعاد والجهات وبين غير المحدود المستغنى عن الحدود والجهات مطلقا حتى تقع المكالمة بينهما إِلَّا وَحْياً اى الا تكلما ناشئا عن وحى الهامى او منامي أَوْ تكلما مسموعا مِنْ وَراءِ حِجابٍ اى وراء تعين من التعينات كما سمع موسى كلامه من وراء حجاب الشجر فكذلك يسمع العارف المتحقق بمقام الفناء في الله كلامه سبحانه دائما من وراء عموم المظاهر الناطقة بتسبيحه وتقديسه سبحانه حالا ومقالا أَوْ تكلما بالسفارة والترجمان بان يُرْسِلَ رَسُولًا من سدنة ذاته التي هي الملائكة الحاملون لكمالات أسمائه وصفاته فَيُوحِيَ الملك بِإِذْنِهِ سبحانه ما يَشاءُ ويسمعه من كلامه سبحانه لمن يشاء سبحانه من عباده وبالجملة إِنَّهُ سبحانه عَلِيٌّ في شأنه المختص به وكمالاته اللائقة له منزه متعال عن ان يحوم حول سرادقات عز سلطانه احد من خلقه فكيف ان يتكلموا معه بلا سترة وحجاب حَكِيمٌ في كمال تمنعه وكبريائه ونهاية تعززه وترفعه حيث تكلم تارة بالوحي والإلهام وتارة من وراء الحجاب والأستار وتارة بطريق السفارة والرسالة

وَكَذلِكَ اى مثل ما أوحينا الى من تقدم منك من الأنبياء والرسل وتكلمنا معهم بإحدى الطرق الثلاثة قد أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا أكمل الرسل ايضا لنتكلم معك رُوحاً منا تكريما لك وتعظيما لشأنك وتخصيصا لك من بين سائر الأنبياء لظهورك على نشأة التوحيد الذاتي مِنْ أَمْرِنا المتعلق لتدبيراتنا وتصرفاتنا في ملكنا وملكوتنا ألا وهو القرآن المنتخب من حضرة علمنا ولوح قضائنا سميناه روحا لأنا نحيى به أموات مطلق التعينات وخصصناك به مع انك ما كُنْتَ تَدْرِي وما تعلم وما تعرف قط قبل نزوله مَا الْكِتابُ المبين للاحكام المتعلقة بتهذيب الظاهر والباطن وَلَا الْإِيمانُ والاعتقاد المتعلق لتوحيد الحق وعرفانه لكونك اميا عاريا من طرق الاستفادة

<<  <  ج: ص:  >  >>