للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كمال فضلنا وجودنا قد جَعَلْناهُ قُرْآناً فرقانا بيانا وتبيانا عَرَبِيًّا أسلوبا ونظما لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وتفهمون ما فيه من الأسرار العجيبة والحكم البديعة والرموز والإشارات التي قد خلت عنها الكتب السالفة

وَإِنَّهُ اى الشأن المندرج فيه والمرموز اليه في مخافيه من جملة ما هو كائن مثبت فِي أُمِّ الْكِتابِ الذي هو حضرة العلم ولوح القضاء ولا يمكنكم الاطلاع عليه والاستفادة منه الا بوسائل الألفاظ لكونه محفوظا لَدَيْنا محروسا عندنا لا يتيسر لكم الوصول إلينا ما دمتم محبوسين في مضيق الإمكان مقيدين بسلاسل الزمان والمكان إذ ساحة عز حضورنا لَعَلِيٌّ منيع متعال عن ان يحوم حول سرادقات عزنا احد من خلقنا ونحن حَكِيمٌ في تلك المنعة والدفاع ولا نطلعكم على سرائرنا الا من وراء الحجب والأستار ثم استفهم سبحانه مهددا مقرعا مشيرا الى ما أودعه سبحانه في استعدادات عباده من قابلية الهداية والرشد بقوله

أَنهملكم ايها المجبولون على فطرة الهداية ولم نرسل إليكم رسولكم يرشدكم الى ما جبلتم لأجله من قابلية الانكشاف بسرائر توحيدنا فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ اى القرآن المبين لكم ما في نشأتكم وفطرتكم من الاطلاع والشعور على شئوننا وتجلياتنا الذاتية وبالجملة انعرض نحن عنكم صَفْحاً اى اعراضا وانصرافا كليا مع انا قد فطرناكم على فطرة الصلاح والفوز بالفلاح أَنْ كُنْتُمْ اى انهملكم ان كنتم وصرتم قَوْماً مُسْرِفِينَ منحطين عن الاعتدال الفطري والقسط الجبلي الذي قد جبلناكم عليه حسب حكمتنا المتقنة البالغة او المعنى انهمل مقتضيات حكمتنا المودعة فيكم ان كنتم في انفسكم قوما مسرفين في التمرد والاعراض

وَكَمْ أَرْسَلْنا اى مع انا كثيرا قد أرسلنا مِنْ نَبِيٍّ هاد مرشد فِي الْأَوَّلِينَ اى في الأمم الماضين المسرفين المفرطين في التمرد والاعراض أمثالكم

وَهم من شدة تعنتهم وإصرارهم ما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أمثال هؤلاء المستهزئين معك يا أكمل الرسل وبعد ما تمادوا في الغفلة والعناد وبالغوا فيها مغرورين

فَأَهْلَكْنا اى قد أخذناهم بذنوبهم واستأصلناهم أجمعين مع كونهم أَشَدَّ مِنْهُمْ اى من هؤلاء المسرفين المستهزئين بك يا أكمل الرسل بَطْشاً حولا وقوة واكثر أموالا واولادا واكبر جاها وشدة وَبعد ما قد مَضى وجرى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ على ما جرى ومضى من قصصهم ووقائعهم الهائلة المهولة وسيمضى ويجرى عن قريب على هؤلاء ايضا مثلهم بالطريق الاولى وكيف لا يجرى عليهم ما جرى على أسلافهم مع انهم أعظم جرما واكبر إنكارا منهم

وَمن أعظم انكارهم انهم لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ اى مشركي مكة يا أكمل الرسل مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ومن أوجدهما واظهرهما من كتم العدم لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الغالب القادر المقتدر على مطلق الخلق والإيجاد الْعَلِيمُ المطلع على سرائر ما أوجد واظهر ومع اعترافهم بأخص أوصاف الفاعل المختار وإقرارهم باستناد الأمور المتقنة الى أوصافه وأسمائه أنكروا وحدة ذاته وأشركوا معه غيره عتوا وعنادا قل لهم يا أكمل الرسل بعد ما بالغوا في الإنكار والإصرار كيف تنكرون وحدة الحق ايها الجاحدون الجاهلون مع انه الله

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً تستقرون فيها وتتوطنون عليها مترفهين متنعمين وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لمعاشكم تطلبون منها حوائجكم وطرقا تصلون منها الى معادكم لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ بها الى وحدة ربكم

وَكيف تنكرون وجود موجدكم الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ اى من عالم الأسباب ماءً محييا لأموات المسببات بِقَدَرٍ معتدل معتاد فَأَنْشَرْنا بِهِ اى أحيينا وأحضرنا بإجراء الماء المحيي

<<  <  ج: ص:  >  >>