للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعناد مع رسل الله وذوى الخطر من خلص عباده والى اين أدى مآل أمرهم فسيئول امر هؤلاء ايضا الى أمثاله

وَاذكر يا أكمل الرسل لمشركي مكة وقت إِذْ قالَ جدك إِبْراهِيمُ الخليل صلوات الله عليه وسلامه لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ المغمورين في تقليدات آبائهم الموروثة لهم بعد ما انكشفت حقية الحق ووحدته وبطلان الالهة الباطلة التي قد أثبتوها شركاء لله ظلما وزورا إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ اى أنا برئ من معبوداتكم التي أنتم تعبدونها من دون الله الواحد الأحد الصمد المستحق للعبادة والإطاعة

إِلَّا الَّذِي اى ما اعبد معبودا سوى المعبود الذي فَطَرَنِي اى أوجدني وأظهرني من كتم العدم بمقتضى حوله وقوته وعلمه ووفور حكمته فَإِنَّهُ سبحانه بمقتضى سعة رحمته وتوفيقه سَيَهْدِينِ ويثبتني على جادة الهداية بأزيد مما هداني اليه من اجراء كلمة التوحيد على لساني

وَجَعَلَها سبحانه هذه الكلمة كَلِمَةً باقِيَةً مستمرة فِي عَقِبِهِ اى أولاد ابراهيم وذرياته الى يوم القيامة موروثة لهم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الى الله بكرامة هذه الكلمة ويوحدونه حق توحيده لذلك ما خلا زمان من الازمنة من موحدى هذه الذرية وممن يدعو منهم الى الحق وطريق توحيده وان كان منهم ايضا من يشرك بالله كمشركي قريش خذلهم الله كما قال سبحانه في شأنهم

بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ المسرفين المعاندين معك يا أكمل الرسل وَكذا متعت آباءَهُمْ كذلك بأنواع النعم واصناف الكرم حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ اى الطريق الموصل الى التوحيد الذاتي وَرَسُولٌ مرشد كامل مُبِينٌ مظهر موضح لهم طريق الهداية والرشد

وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ الحقيق بالاتباع قالُوا من فرط تعنتهم وعنادهم هذا الذي جاء به هذا المدعى يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلم سِحْرٌ او شعر قد اختلقه من تلقاء نفسه ونسبه الى ربه افتراء وتغريرا وَبالجملة إِنَّا بِهِ وبدينه كافِرُونَ منكرون جاحدون

وَقالُوا من شدة شكيمتهم وغيظهم معك يا أكمل الرسل ومن غاية انكارهم بكتابك لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ ان كان نزوله من عند الله حقيقة عَلى رَجُلٍ ذي ثروة وجاه لائق بمرتبة النبوة والرسالة كائن مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ اى من احدى القريتين يعنى مكة والطائف عَظِيمٍ عند الناس بكثرة الأموال والأولاد والاتباع ليكون له اليد والاستيلاء على سائر الناس إذ منصب النبوة منصب عظيم يحتاج الى ثروة ووجاهة ومكنة تامة ورئاسة ظاهرة ولم يفهموا ان رتبة النبوة والولاية عبارة عن الغنى الذاتي المسقط لعموم الإضافات المنافية لصرافة الوحدة الذاتية وهو لا يكون الا بالتعري عن ملابس الأكوان ولوازم الإمكان بالمرة وبالتخلق بالأخلاق المرضية الإلهية

أَهُمْ باحلامهم السخيفة وتدبيراتهم الركيكة يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل ويضعون رتبة النبوة والرسالة الى من يقتضيه اوهامهم وخيالاتهم الباطلة وترتضيه نفوسهم الخبيثة العاطلة بل نَحْنُ بوفور حكمتنا قد قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ التي يحتاجون إليها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ومع تدبيرنا إياهم ومصالح معاشهم لا يحسنون تدبيرها فيما بينهم ليصلح امر ائتلافهم وتمدنهم فيها فكيف يخوضون في مصالح المعاد وتدبيراتها ومن اين يتأتى لهم التفوه في الأوضاع الألوهية والتدبيرات الربوبية الناشئة عن كمال العلم والحكمة والارادة الكاملة والقدرة الشاملة وَمن غاية قصورهم ونقصانهم عن تدبيرات معاشهم قد رَفَعْنا حسب حكمتنا وتربيتنا إياهم بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ بان فضلنا بعضهم على بعض في العقل الجزئى والرزق الصوري وغيره ليكون لهم الكبرياء والاستيلاء على البعض الآخر ولِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا اى يستعمل البعض العقلاء الأغنياء اجراء من البعض

<<  <  ج: ص:  >  >>