للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاولى. ثم لما كان صلّى الله تعالى عليه وسلّم يبالغ في ارشاد عشائره ويتعب نفسه في هدايتهم رد الله سبحانه عليه على وجه الاستبعاد والتأديب ردعا له عما كان عليه من المبالغة فقال مستفهما

أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ اى أأنت تتخيل لنفسك انك تقدر على إسماع من جبل على الصمم في اصل فطرته أَوْ أنت تَهْدِي الْعُمْيَ المجبولين على العمى في مبدأ خلقته وَبالجملة انك لا تهدى مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وغواية عظيمة جبلية فكيف تسعى أنت لهدايته وتبالغ في طلب المحال في إرشاده وتكميله إذ ليس في وسعك تغيير الخلقة وانما عليك البلاغ فليس في وسعك الا الإنذار والتبليغ فقط فقد أنذرت وبلغت الى متى تتعب نفسك وتسعى. ثم سجل سبحانه على أخذ المشركين والانتقام عنهم بقوله معرضا على حبيبه على وجه التأديب والتنبيه

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ اى ان نتوفينك يا أكمل الرسل ونخرجنك عن الدنيا قبل انتقامنا عنهم وأخذنا إياهم فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ البتة بعد مماتك ووفاتك

أَوْ نُرِيَنَّكَ العذاب الموعود الَّذِي وَعَدْناهُمْ للاعراض عنك وعن دينك وكتابك وبالجملة فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ قادرون على وجوه الانتقام عنهم حال حياتك او بعدها فلك ان لا تسعى في هدايتهم وإرشادهم وبعد ما قد أكد سبحانه انجاز الوعيد الموعود عليهم وبالغ فيه امر حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بالتمكن والتثبت على مقتضى الوحى المنزل من عنده سبحانه فقال

فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من القواعد الشرعية الموضوعة بالوضع الإلهي واعتمد عليه ولا تلتفت إليهم ولا تبال باعراضهم إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى توحيد ربك

وَإِنَّهُ اى القرآن لَذِكْرٌ اى عظة وتذكير لَكَ وَلِقَوْمِكَ فعليكم ان تتعظوا به وبما فيه من الحكم والاحكام والعبر والأمثال والرموز والإشارات وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ عن قيامكم به وامتثالكم بما فيه وان عاند المشركون معك واستهزؤا بك وبكتابك ونسبوا دينك الى البدعة والاختلاق فلا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون وينسبونك اليه

وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا اى احبار قومهم وعلمائهم وفتش أحوالهم عن آثارهم واخبارهم وكتبهم الباقية بعدهم أَجَعَلْنا وأثبتنا في الكتب النازلة من لدنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ المنزه في ذاته عن الشركة والتعدد مطلقا آلِهَةً يُعْبَدُونَ اى هل حكمنا لهم وامرناهم باتخاذ آلهة سوى الحق الحقيق بالعبادة يعبدونهم كعبادة الله بل ما اتخذوا الآلهة المتخذة الزائغة الا بمقتضى آرائهم الباطلة واهويتهم الفاسدة وبالجملة ما عبدوا بعموم ما عبدوا الا ظلما وعدوانا وبغيا وطغيانا

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا أخاك مُوسى بِآياتِنا الدالة على توحيدنا إِلى فِرْعَوْنَ الطاغي الباغي المستعلى على من في الأرض وَمَلَائِهِ المعاونين له في طغيانه وعدوانه فَقالَ لهم موسى باذن منا وبمقتضى وحينا إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ قد أرسلني إليكم لأرشدكم الى طريق توحيده وأوضح لكم سبيل المعاد

فَلَمَّا جاءَهُمْ موسى مؤيدا بِآياتِنا اى بالخوارق والمعجزات الدالة على صدقه إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ اى فاجؤا على الضحك والاستهزاء أول رؤيتهم بالآيات بلا تأمل وتدبر فيها

وَالحال انه ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ من الآيات إِلَّا هِيَ اى الآية اللاحقة المرئية في الحال أَكْبَرُ واظهر دلالة على كمال قدرتنا وصدق نبينا مِنْ أُخْتِها اى من الآيات السابقة عليها ومع ذلك أنكروا على الكل واستهزؤا به عدوانا وظلما وَبعد ما بالغوا في العتو والعناد قد أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ العاجل من القحط والطاعون وغيرها لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ رجاء ان يرجعوا من انكارهم وإصرارهم عليه

وَمع ذلك لم يرجعوا

<<  <  ج: ص:  >  >>