للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل قالُوا عند نزول البلاء وهجوم العناء بدعاء موسى عليه السلام مسترجعين نحوه متهكمين معه يا أَيُّهَا السَّاحِرُ الماهر في السحر والشعبذة ادْعُ لَنا رَبَّكَ الذي زعمت ان لا منزل للمصيبة سواه ولا كاشف لها ايضا الا هو بِما عَهِدَ عِنْدَكَ اى بمقتضى ما وعد لك وعهد معك ان لا يعذب من آمن بك وصدقك فان انكشف الضر بدعائك ف إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ بهدايتك مؤمنون لك مصدقون بنبوتك ورسالتك وبجميع ما دعوتنا اليه

فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ بعد دعاء الأنبياء والرسل وتضرعهم نحونا راجين منا مناجين إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ اى هم قد فاجؤا على نقض ما عاهدوا بغتة مبادرين على الإنكار والعناد بلا تراخ وتأخير

وَمن كمال عتو فرعون الطاغي الباغي ونهاية عناده واستكباره نادى فِرْعَوْنُ بنفسه يوما من الأيام حين كان فِي مجمع قَوْمِهِ مباهيا بما معه من الجاه وسعة المملكة حيث قالَ يا قَوْمِ ناداهم ليسمعوا منه ويصغوا اليه سمع قبول أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ مع كمال وسعته وفسحته وكثرة مملكته وَهذِهِ الْأَنْهارُ الثلاثة المنشعبة من النيل هي نهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس تَجْرِي مِنْ تَحْتِي اى تحت تصرفى وملكي أَفَلا تُبْصِرُونَ ايها المجبولون على البصارة

أَمْ أَنَا اى بل انا خَيْرٌ مِنْ هذَا الساحر المدعى الَّذِي هُوَ مَهِينٌ رذل مهان لا عزة له ولا مقدار وَمع رذالته وسفالته لا يَكادُ يُبِينُ اى لا يقرب ان يظهر ويعرب كلامه للكنة في لسانه

فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ اى فلو كان مؤيدا من عند الله ومكرما لديه كما زعم هلا القى عليه اسورة مِنْ ذَهَبٍ تدل على عزته وكرامته عنده وسيادته عند الناس إذ العادة حينئذ ان اهل الرياسة والسيادة يسورون ويطوقون بأسورة متخذة من ذهب أَوْ هلا جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ من عند ربه مُقْتَرِنِينَ مجتمعين يعينونه فيما يعنيه

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ يعنى قد استخف فرعون قومه حيث لبس عليهم وسفههم وضعف أحلامهم بأمثال هذه الهذيانات فَأَطاعُوهُ وقبلوا منه جميع ما قال عتوا واستكبارا وبالجملة إِنَّهُمْ في أنفسهم قد كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ خارجين عن مقتضى العدالة الإلهية لذلك انحرفوا عن سواء السبيل واتبعوا ذلك الفاسق الطاغي وبالجملة

فَلَمَّا آسَفُونا وحملونا على القهر والغضب وحركوا الغيرة الإلهية بأمثال هذه الجرائم الفاحشة انْتَقَمْنا مِنْهُمْ بمقتضى قهرنا وجلالنا فَأَغْرَقْناهُمْ في اليم أَجْمَعِينَ ومحونا رسومهم عن وجه الأرض

فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً قدوة واسلافا قديمة للهالكين من هؤلاء المسرفين المفرطين وَصيرناهم مَثَلًا لِلْآخِرِينَ من اخلافهم المؤمنين الموحدين يمثلون بهم وبوقائعهم فيتعظون

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا يعنى لما ضرب ابن الزبعرى مثلا بعيسى عليه السلام حين نزلت كريمة انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قال مجادلا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انك تزعم ان النصارى من اهل الكتاب وانهم يعبدون عيسى ويعتقدونه ابن الله والملائكة اولى بالمعبودية من عيسى فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقوم لما سمعوا مجادلته ورأوا سكوت الرسول صلّى الله عليه وسلّم من كلامه فهموا منه الزام الرسول وافحامه فأوجسوا في نفوسهم اعراضا كما حكى عنهم سبحانه بقوله إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ اى من كلام ابن الزبعرى يَصِدُّونَ يعرضون وينصرفون عنك فرحا بانك قد صرت ملزما من كلامه

وَبعد ما اعرضوا عنك واعتقدوا إلزامك من ذلك الطاغي قالُوا اى قال بعضهم لبعض آلِهَتُنا التي قد كنا نعبد نحن وأسلافنا ايضا إياهم خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعنون اله محمد الذي ادعى الرسالة من عنده وانما قالوا ما قالوا له تهكما

<<  <  ج: ص:  >  >>