للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ طاوس مزخرفات الدنيا الدنية وديك شهواتها وغراب الآمال الطويلة فيها وحمام الأهواء الباطلة المتعلقة بها وبعد ما أخذتها فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ اى املهن واضممهن الى نفسك بحيث تجد جميع اجزائهن في نفسك على التفصيل بلا فوت جزء ثم جزأهن أجزاء هبائية هوائية ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ من الجبال المشهورة في مملكة بدنك ونفسك مِنْهُنَّ جُزْءاً الى حيث تخيلت تفانيها وتلاشيها بالمرة واطمأننت عن شرورها بالكلية ثُمَّ ادْعُهُنَّ فارضا وجودهن مستحيلا ايجادهن مرة اخرى يَأْتِينَكَ بأجمعهن سَعْياً ساعيات مسرعات بلا فوات جزء ونقصان شيء منهن وَبعد ما تحققت بها واستكشفت عنها اعْلَمْ علما يقينا بل عيانا وحقا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب قادر على كل ما أراد حَكِيمٌ ذو حكمة متقنة بالغة في كل ما يفعل ويريد. وانكار الحشر والنشر انما نشأ من ظلمات العقل الجزئى المشوب بالوهم المزخرف المزور والخيال القاصر المقصر عن ادراك رقائق الارتباطات الواقعة بين الحق وأجزاء العالم المستمدة هي منه سبحانه دائما على سبيل التجدد وسواء كانت مبتدأة او معادة والا فمن خلص عقله المودع فيه عن مزاحمة الأوهام والخيالات وتجرد عن شوب الرسوم والعادات واتصل بالعقل الكل المدرك بالحضور جميع ما كان ويكون من المكونات وتأمل في عجائب المصنوعات وغرائب المخترعات والمبتدعات الواقعة في عموم الآنات والحالات التي هي فيها قد انكشف له بلا سترة وحجاب امر الحشر والنشر وجميع الأمور المتعلقة بالنشأة الاولى والاخرى ولا ينكر بشيء منها بل يؤمن بها ويوقن بجميعها بلا شك وريب ربنا آتنا من لدنك هداية وعلما وهيئ لنا من أمرنا رشدا

ثم قال سبحانه مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ المنسوبة إليهم بنسبة شرعية فِي سَبِيلِ اللَّهِ طلبا لمرضاته كَمَثَلِ باذر حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَبالجملة اللَّهِ القادر المقتدر على عموم المقدورات يُضاعِفُ حسب قدرته الكاملة تلك المضاعفة ايضا بأضعاف غير متناهية لِمَنْ يَشاءُ من خلص عباده حسب إخلاصهم في نياتهم وبمقتضى إخراجهم نفوسهم عن البين وتفويضهم الأمور كلها الى الله اصالة وَاللَّهُ المتجلى في الأنفس والآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق واسِعٌ لا ضيق في احاطة فضله وإحسانه عَلِيمٌ بأحوال من توجه نحوه وأنفق لرضاه خالصا مخلصا بحيث لا يعزب عن حيطة علمه شيء ولا سيما بشر يا أكمل الرسل من بينهم المنفقين المحسنين

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ معتقدين انهم مستخلفون نائبون عن الله فيها لا مالكون لها حقيقة ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لاعتقادهم الاستخلاف والنيابة لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ المخلف لهم المنيب إياهم بحيث لا يدرك سبحانه ولا يطلع مقداره وكيفيته أحدا من خلقه وَبعد ما أنفقوا ما أنفقوا على الوجه المذكور لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من الحساب والعقاب الأخروي وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من فوات الأجر وقلة الجزاء بل لهم عند ربهم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

وبالجملة قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ورد جميل للسائل ناش من حسن الخلق وَمَغْفِرَةٌ مرجوة من الله بعد رده متحسرا على نعمة الانفاق خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً إذ بذلك القول يرجى الثواب وبتلك الصدقة يستحق العقاب وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن انفاقكم بالمن والأذى للفقراء الذين هم عيال الله وفي حمى لطفه وحوزة حفظه وحضانته حَلِيمٌ لا يعجل بمؤاخذة من يمن ويؤذى

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالله الغنى الحليم مقتضى ايمانكم ان لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ عند الله بِالْمَنِّ وَالْأَذى

<<  <  ج: ص:  >  >>