للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ايها الجاحدون المسرفون

لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ اى بالسبيل السوى والطريق الحق الثابت الحقيق بالاطاعة والاتباع فانصرفتم عنه وانكرتم عليه ولم تلتفتوا اليه بل وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ بعد ما تفطنوا لِلْحَقِّ وتنبهوا بحقيته كارِهُونَ لقبوله والامتثال لمقتضاه وهم مع كمال كراهتهم للحق وانصرافهم عنه لا يقتصرون عليها

أَمْ أَبْرَمُوا اى بل احكموا وقطعوا أَمْراً حكما مبرما مكرا وخديعة لرد الحق وتكذيب اهله فَإِنَّا ايضا حسب قهرنا وجلالنا مُبْرِمُونَ حاكمون حكما قطعيا بانزال العذاب المخلد عليهم جزاء لمكرهم وخداعهم أيشكون ويترددون انا لا نقدر على أخذهم وانتقامهم

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ ولا نعلم ولا ندرك سِرَّهُمْ الذي يخفونه في ضمائرهم وَنَجْواهُمْ الذي هم يتناجون به في هواجس نفوسهم بَلى انا عالمون بعموم ما جرى ويجرى في سرائرهم وضمائرهم مطلعون بجميع ما صدر من استعداداتهم وقابلياتهم وَمع احاطة علمنا بهم وبأحوالهم رُسُلُنا لَدَيْهِمْ وحفظتنا عندهم يَكْتُبُونَ جميع ما صدر عنهم نقيره وقطميره حتى نحاسبهم عليه ونجازيهم بمقتضاه. ثم لما شاع قول اليهود والنصارى بولدية عزير وعيسى ومال نحوه أولوا الأحلام الضعيفة منهم ومن غيرهم رد الله عليهم على ابلغ وجه وآكده بأن امر حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بالقول على سبيل الفرض والتقدير

قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما بالغوا في هذه القرية البعيدة بمراحل عن الحق المستحيلة في نفسها إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ اى ان صح وجاز ان يكون له ولد متصف ببنوته فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ لابنه إذ أنا اعلم الناس بلوازم الألوهية واحفظهم بحقوق الربوبية ان كان له سبحانه ولد أنا أحق بعبوديته وتعظيمه من جميع بريته

سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ اى تنزه وتعالى شأن من هو مربى العلويات والسفليات المتصف بالاحاطة التامة والاستيلاء الكامل الشامل على عروش عموم المظاهر بالاستقلال والانفراد عَمَّا يَصِفُونَ به أولئك الواصفون المكابرون من نسبة الولد والمولود له سبحانه تعالى شأنه عما يقول الظالمون علوا كبيرا وبعد ما انكشفت أنت يا أكمل الرسل بحقية الحق ووحدته وصمديته

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا في أباطيلهم ويستغرقوا في ضلالهم وغفلاتهم وَيَلْعَبُوا بمقتضيات اوهامهم وخيالاتهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ بملاقاته وبلحوق ما فيه من انواع العقوبات والنكبات

وَكيف يتخذون له سبحانه ولدا ويثبتون له شريكا مع انه سبحانه هُوَ الواحد الأحد الفرد الصمد الَّذِي فِي السَّماءِ اى عالم الأسماء والصفات إِلهٌ يعبد له ويرجع اليه مع صرافة وحدته الذاتية وَفِي الْأَرْضِ اى عالم الطبيعة والهيولى إِلهٌ كذلك بلا تعدد وتغير في ذاته وَبالجملة هُوَ الْحَكِيمُ على الحكمة المتقنة البالغة لا حاكم سواه الْعَلِيمُ المقصور على العلم الكامل الشامل المحيط بعموم ما لاح عليه بروق تجليات الوجود وشروق شمس الذات

وَتَبارَكَ وتعالى اى تعاظم وتعالى ذات القادر العليم الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى العلويات والسفليات وَما بَيْنَهُما من المركبات والممتزجات ان يكون معروضا للتعدد ومحلا للشركة والمظاهرة بل له ان يتصرف في ملكه وملكوته ويدبر فيهما تدبيرا وتصرفا على وجه الاستقلال بالإرادة والاختيار وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الموعود قيامها من لدنه سبحانه وَبالجملة إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في النشأة الاخرى رجوع الاظلال الى الأضواء والأمواج الى الماء

وَبعد ما ثبت وحدة الحق واستقلاله في ملكه وملكوته لا يَمْلِكُ ولا يقدر الآلهة الباطلة الَّذِينَ يَدْعُونَ ويعبدون لهم أولئك المشركون

<<  <  ج: ص:  >  >>