للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وينزل على سلطان قلبه التمكن والوقار والتمرن والقرار. ثم لما وصل صلّى الله عليه وسلّم الى ذلك المقام واستولى وغلب على قلبه سلطان المحبة والعشق المفرط الإلهي وكان ورود تلك الحالة العلية اليه صلّى الله عليه وسلّم في ليلة القدر او البراءة على اختلاف الرواية انزل سبحانه عليه بعض آيات القرآن الفرقان الفارق بين نشأتى التلون والتمكن ليتقرر في مقر الكشف والشهود ويتمكن في مقعد الصدق والمقام المحمود فقال مناديا مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم بعد ما تيمن باسمه العلى الأعلى بِسْمِ اللَّهِ الذي تجلى بعموم أسمائه الحسنى الرَّحْمنِ على عموم مظاهره بافاضة الوجود والرزق الأوفى بمقتضى الكرم والجود الرَّحِيمِ لخواصهم بايصالهم الى الحوض المورود والمقام المحمود

[الآيات]

حم يا حافظ حدود الله ومراقب وحيه والهامه في عموم حالاتك وأوقاتك

وَحق الْكِتابِ الْمُبِينِ الذي هو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم

إِنَّا من مقام عظيم جودنا أَنْزَلْناهُ اى ابتدأنا انزاله إليك تأييدا لأمرك وتعظيما لشأنك فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ كثيرة الخير والبركة هي ليلة القدر او البراءة وانما أنزلناه مشتملا على الاحكام والمواعظ والعبر والأمثال والقصص والتواريخ والرموز والإشارات المنبهة على المعارف والحقائق إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ مخوفين بانزال ما فيه من الأوامر والنواهي والوعيدات الهائلة على من انصرف عن جادة العدالة الإلهية وانحرف عن الصراط المستقيم وانما أنزلناه إليك في ليلتك هذه إذ

فِيها يُفْرَقُ يميز ويفصل عندك يا أكمل الرسل بعد ما تمكنت في مقر العز والتمكين كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ اى محكم صادر عن محض الحكمة المتقنة الإلهية ولهذا صار عموم ما ذكر في كتابك هذا

أَمْراً محكما مبرما نازلا مِنْ عِنْدِنا بمقتضى حضرة علمنا وكمال قدرتنا ووفور حكمتنا ليكون هداية لك وإرشادا لعموم عبادنا المتابعين لك المهتدين بهدايتك إِنَّا قد كُنَّا في عموم الأوقات والحالات مُرْسِلِينَ رسلا مبشرين ومنذرين ومنزلين عليهم كتبا مبينة مصلحة لأحوال عبادنا بعد ما أفسدوا على أنفسهم وصار ذلك الإرسال والإنزال

رَحْمَةً نازلة مِنْ رَبِّكَ يا أكمل الرسل وسنة سنية بين عموم عباده حين ظهر الفساد فيهم وفشا الجدال فيما بينهم وبالجملة إِنَّهُ سبحانه هُوَ السَّمِيعُ لمناجاة عباده نحوه بألسنة استعداداتهم وقابلياتهم الْعَلِيمُ بحاجاتهم ونياتهم فيها وكيف لا يرحمهم ولا يصلح أحوالهم مع انه سبحانه هو بذاته (٥)

رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما من الكوائن المركبة منهما يعنى مربى الكل ومظهره هو بالاستقلال والانفراد إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ اى من ارباب المعرفة واليقين فاعرفوه كذلك ووحدوه هكذا إذ

لا إِلهَ ولا موجود في الوجود إِلَّا هُوَ بصرافة وحدته وتنزهه عن وصمة الشرك مطلقا هو يُحْيِي وَيُمِيتُ اى يظهر ويوجد عموم ما يوجد وكذا يعدم عموم ما يعدم بمد ظله اليه وقبضه عنه ارادة واختيارا وكيف لا وهو سبحانه رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ لا مربى لكم ولهم سواه وبالجملة لو تأمل عموم العباد في دلائل توحيده ونظروا في آيات ألوهيته وربوبيته لعرفوا يقينا وحدة ذاته

بَلْ هُمْ اى أكثرهم فِي شَكٍّ في غفلة وتردد يَلْعَبُونَ ويترددون في اودية الظنون والجهالات حسب آرائهم الفاسدة واهويتهم الباطلة بالنسبة اليه سبحانه

فَارْتَقِبْ يا أكمل الرسل وانتظر لهم مترقبا بإلمام البلاء عليهم بعد ما قد أصروا على كفرهم وشركهم واذكر يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مظلم مُبِينٍ عظيم

يَغْشَى النَّاسَ اى يحيط بهم وينزل عليهم بحيث تيقنوا ان

<<  <  ج: ص:  >  >>