للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم مقطع قد ألم بهم فيتضرعون حينئذ نحو الحق صارخين قائلين

رَبَّنَا اكْشِفْ بفضلك وجودك عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا بعد ما كشفت عنا عذابنا مُؤْمِنُونَ موقنون بوحدانيتك مصدقون بكتابك ورسولك. وذلك ان قريشا لما بالغوا في الاستهزاء بالرسول والتهكم معه صلّى الله عليه وسلّم ومع ضعفاء المؤمنين دعا عليهم صلّى الله عليه وسلّم فقال اللهم اعنى عليهم بالسبع الشداد كسبع يوسف عليه السلام فأجاب الله دعاءه فاخذهم بالقحط فأكلوا الميتة والجيف وهلك كثير منهم فيغشاهم يومئذ دخان عظيم يسمع كل منهم كلام صاحبه ولا يراه من ظلمة الدخان فقالوا صارخين متضرعين هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون وقد كانوا عليه حتى جاء ابو سفيان الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال انك قد جئت بصلة الرحم وان قومك قد هلكوا من الجهد فدعا لهم فكشف الله عنهم جهدهم ومع ذلك لم يوفوا بعهدهم الذي عهدوا بعد الكشف لذلك رد الله عليهم بقوله

أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى اى من اين يتأتى منهم التذكر والاتعاظ وَقَدْ جاءَهُمْ لتكميلهم وإرشادهم رَسُولٌ مُبِينٌ ظاهر الفضل والعظم أكمل من كل الرسل

ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ مدبرين واعرضوا عن دعوته ودينه مصرين على ما هم عليه وَلم يقتصروا على مجرد التولي والاعراض بل قالُوا في شأنه صلّى الله عليه وسلّم كلا ما لا يليق بعلو مكانه حيث قال بعضهم انه مُعَلَّمٌ يعلمه بعض الأعجمين مع انه صلى الله عليه وسلم أمي وقال البعض الآخر انه مَجْنُونٌ مخبط مختل العقل يتكلم بكلام المجانين مع انه اعقل الناس وارشدهم. ثم قال سبحانه على سبيل الاخبار والتنبيه لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم بعد ما أخذ يدعو لهم بالكشف والتفريج

إِنَّا من مقام عظيم جودنا معك يا أكمل الرسل كاشِفُوا الْعَذابِ المحيط بهم بدعائك زمانا قَلِيلًا في دار الاختبار الا انهم لم يوفوا بعدهم الذي عهدوا معك لصرافتهم وانهماكهم في الكفر ثم خاطبهم سبحانه مخبرا إياهم بما سيصدر عنهم فقال إِنَّكُمْ وان كشفنا العذاب عنكم ايها الضالون المكذبون لأنتم عائِدُونَ راجعون الى كفركم وضلالكم غب الكشف والفرج مبادرون على ما قد كنتم عليه ونحن حينئذ منتقمون عنكم مجازون لكم بأسوء الجزاء وأشد العذاب والنكال اذكر لهم يا أكمل الرسل

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى اى يوم نأخذهم وننتقم عن جرائمهم وآثامهم في يوم القيامة والطامة الكبرى كيف ينقذون أنفسهم من عذابنا الذي لا مرد له يومئذ وبالجملة إِنَّا مُنْتَقِمُونَ منهم البتة حينئذ على الوجه الأشد الأفظع. ثم قال سبحانه تسلية لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم وتسكينا لقلبه عما أهمه وأحزنه من استهزاء قومه معه واستخفافهم عليه

وَكما امتحنا وجربنا قريشا بإرسالك إليهم مع انا نعلم منهم انهم لم يؤمنوا بك ولم يهتدوا بهدايتك أصلا بل اوقعناهم في فتنة عظيمة وبلية فظيعة لَقَدْ فَتَنَّا وامتحنا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ كذلك بإرسال أخيك موسى الكليم إليهم وَقد جاءَهُمْ رَسُولٌ مرسل من لدنا كَرِيمٌ مكرم لدينا بأنواع الكرامات مؤيد من عندنا بالمعجزات الباهرة مبلغ لهم بمقتضى الوحى الإلهي قائلا لهم

أَنْ أَدُّوا اى بان أدوا إِلَيَّ حق الله وأرسلوا معى عِبادَ اللَّهِ بنى إسرائيل وبالجملة إِنِّي لَكُمْ من قبل ربي وربكم رَسُولٌ أَمِينٌ مأمون مصون عن الكذب والافتراء غير متهم به لدلالة ما عندي من المعجزات على صدقى في دعوى الرسالة

وَعليكم أَنْ لا تَعْلُوا ولا تكبروا عَلَى اللَّهِ وعلى قبول وحيه وتصديق رسوله في دعوته الى وحدته ولا تنكروا له ولا تكذبوه إِنِّي آتِيكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>