للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذوي الغفلة والضلال طَعامُ الْأَثِيمِ المنهمك في الجرائم والآثام ألا وهو ابو جهل اللعين ومن هو مثله في العتو والعناد وهي في الحرقة والبشاعة

كَالْمُهْلِ اى الذهب المذاب او دردى الزيت الأسود وهو من شدة حرقته وحرارته يَغْلِي فِي الْبُطُونِ

كَغَلْيِ الْحَمِيمِ اى كالماء الحار إذا أشد غليانه في المرجل كيف هو وهو مثله يغلى في بطون اهل النار قال صلّى الله عليه وسلّم اتقوا الله حق تقاته ولو ان قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على اهل الدنيا معيشتهم ما داموا فيها فكيف حال من هو طعامه هي دائما ولم يكن له غذاء سواها. أعاذنا الله منها ومن أمثالها. وبالجملة هم مبتلون بهذا العذاب الى حيث قطع أمعاءهم ومع ذلك العذاب الهائل يقال من قبل الحق للزبانية الموكلين عليهم على الدوام

خُذُوهُ اى المسرف الأثيم فَاعْتِلُوهُ اى ادفعوه وسوقوه بشدة العنف والزجر المفرط إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ اى وسطه

ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مثل ما في جوفه مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ ليستغرقوا بالعذاب الشديد استغراقا تاما وقولوا له عند صبكم وتعذيبكم على وجه التهكم والتوبيخ

ذُقْ ايها المتجبر الطاغي طعم العذاب الهائل إِنَّكَ في نفسك وعلى مقتضى زعمك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ الغالب المقصور على الغلبة والكرامة بين اهل الوادي ثم قولوا لهم بعد تشديد العذاب عليهم تفظيعا لهم وتفضيحا

إِنَّ هذا العذاب والنكال الذي أنتم فيه الآن ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ تمارون وتشكون في النشأة الاولى ثم ذكر سبحانه على مقتضى سنته المستمرة في كتابه مقر المؤمنين المتقين ومنزلتهم في النشأة الاخرى فقال

إِنَّ الْمُتَّقِينَ المجتنبين عن محارم الله في عموم أوقاتهم وحالاتهم بعد ما انقرضوا عن نشأة الاختبار والابتلاء فِي مَقامٍ أَمِينٍ اى مقر مأمون مصون عن طريان التغير والانتقال محروس عن وصمة الغفلة والضلال وبالجملة متمكنون

جَنَّاتٍ

متنزهات العلم والعين والحق عُيُونٍ

جاريات من انواع المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات اللدنية ومن كمال تلذذهم وترفههم باللذات الروحانية

يَلْبَسُونَ من البسة ارباب الكشف والشهود المترقين في مراقى درجات القرب والوصول مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ اى مما رق وغلظ من عروض المعارف والحقائق الى ان صاروا مُتَقابِلِينَ في المحبة متماثلين في الوجد والحضور

كَذلِكَ ينكشف لهم الأمر بعد انقراضهم عن نشأة الدنيا وعالم الحجاب وَمع ذلك القرب والوصول والوجد والحضور زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ مصورات من الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية والخصائل السنية التي تأدبوا بها مع ربهم في النشأة الاولى

يَدْعُونَ اى يطالب بعضهم بعضا حين تمكنهم واستقرارهم فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ ملذة لأرواحهم وأشباحهم من الفواكه الحاصلة لهم من شجرة اليقين العلمي والعيني والحقي آمِنِينَ عن غوائل الشيطان وتسويلاته وتزييناته كما في النشأة الاولى وبالجملة هم احياء عند ربهم بحياته الازلية الابدية باقون ببقائه السرمدي بحيث

لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ اى طعم مرارة الموت المعطل عن التلذذ باللذات اللدنية الروحانية إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى التي قد ذاقوها عند افتراقهم عن لوازم نشأة الإمكان وانقطاعهم عن مقتضيات عالم الناسوت وانفطامهم منها وَبالجملة بعد ما وصلوا الى فضاء الوجوب وحصلوا في عالم اللاهوت وَقاهُمْ وحفظهم ربهم عَذابَ الْجَحِيمِ اى من عذاب بقعة الإمكان ونشأة الناسوت والأركان وبالجملة انما اعطوا

فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ يا أكمل الرسل وامتنانا منه سبحانه عليهم بلا استحقاق منهم واستجلاب بطاعاتهم ذلِكَ الذي بشر الله به عباده المتقين هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ والفضل الكريم لا فوز أعظم منه

<<  <  ج: ص:  >  >>