للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على فقراء الله حتى لا تعاقبوا عليها باشد العقاب ولا تكونوا عنده سبحانه كَالَّذِي اى كالكافر الذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَالحال انه لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ المعد لجزاء الأعمال فَمَثَلُهُ اى مثل المنفق المرائى في إنفاقه ما عند الله في يوم الجزاء كَمَثَلِ صَفْوانٍ حجر أملس عَلَيْهِ تُرابٌ قد اجتمع من هبوب الرياح فطرح فيه البذور لتنبت وتثمر فَأَصابَهُ وابِلٌ مطر عظيم القطر فأزال التراب والبذور فَتَرَكَهُ اى الحجر صَلْداً أملس كما كان الى حيث لا يَقْدِرُونَ عَلى تحصيل شَيْءٍ قليل مِمَّا كَسَبُوا وبذروا عليه لينتفعوا به وَبالجملة اللَّهُ الهادي لخلص عباده لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ المتصدقين المبطلين بالمن والأذى حكمة الله المتعلقة لتربية الفقراء وتقوية العجزة والضعفاء فلا بد للمؤمنين الموقنين ان يجتنب عن أمثاله وبعد ما مثل سبحانه انفاق المنفق المرائى المبطل إنفاقه بالمن والأذى عقبه بإنفاق المحق المحسن بقوله

وَمَثَلُ المؤمنين المنفقين الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ في سبيل الله ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ لا لعوض ولا لغرض لا ديني ولا دنيوى فضلا عن سمة السمعة والرياء وعن وصمة المن والأذى وَتَثْبِيتاً اى احكاما وتقريرا لهم ناشئا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ليثبتوا على ما أمرهم الله به واستخلفهم فيه بقوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه كَمَثَلِ جَنَّةٍ اى مثلهم كمثل بستان واقع بِرَبْوَةٍ مكان مرتفع من الأرض قد أَصابَها وابِلٌ مطر وأنبتها نباتا حسنا ورباها فَآتَتْ أُكُلَها قطوفها وأثمارها ضِعْفَيْنِ بالنسبة الى ما في الأرض المنخفضة وما حصل فيها بتربية الوابل إياها وتنميته لها فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ اى ان لم يصبها وابل فيكفى في أضعاف ثمرتها طل وهو رطوبة رقيقة تنزل على الأرض في المواضع المرتفعة لصفاء هوائها وترابها عن جميع الكدورات كاراضى بيت المقدس شرفها الله. والمعنى ان انفاق المؤمن المخلص في الانفاق الطالب لرضا الحق المائل عن مطلق المن والأذى والسمعة والرياء الراغب الى امتثال الأمر وتثبيت النفس وتقريرها عليه كمثل تلك الجنة بل حقيقة ومعنى هي الجنة الحقيقية المثمرة لفواضل الإحسانات التي لا يدرك غورها ولا يكتنه طورها وَبالجملة اللَّهِ المحيط لجميع أحوالكم وأعمالكم بِما تَعْمَلُونَ من الإخلاص والرضا ورعونات الرياء وكدورات المن والأذى بَصِيرٌ لا يغيب عن بصارته وحضوره شيء ثم حث سبحانه عموم عباده على الإخلاص ورغبهم عن الرياء والمن والأذى على ابلغ وجه وآكده كأنه قد استدل عليه

فقال أَيَوَدُّ ويحب أَحَدُكُمْ ايها المؤمنون المنتشرون في فضاء الدنيا أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مملوءة مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ومع ذلك تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وكان لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ المتنوعة المتلونة وَالحال انه قد أَصابَهُ الْكِبَرُ وأدركه الهرم وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ لا يقدرون على الكسب فَأَصابَها اى الجنة المذكورة إِعْصارٌ اى ريح عاصفة تستدير عند هبوبها فيرى من شدة غبرتها ورفعتها مثل العمود الممدود نحو السماء ومع ذلك حدث فِيهِ نارٌ متكونة من الابخرة والادخنة المحبة فيه التقطها من شعل النيران الموقدة على الأرض فسقطت النار في الجنة المذكورة فَاحْتَرَقَتْ بالمرة بحيث قد خرجت عن الانتفاع مطلقا كيف يحرم صاحبها وحرمانكم ايها المراؤون بالأعمال الصالحة والصدقات في النشأة الاخرى أشد من حرمانه بل بأضعافه والآفة لإحراقكم جنة الأعمال الصالحة المشتملة على نخيل التوحيد وأعناب الرضاء والتسليم تجرى من تحتها انهار المعارف والحقائق المنتشئة من بحر جود الوجود المثمرة لثمرات الانفاق والصدقات المنشعبة من بحر الرضاء والتسليم المشعر للتحقق بمقام العبودية المسقط للاضافات كلها باعصار

<<  <  ج: ص:  >  >>