للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَصَرِهِ غِشاوَةً

غليظة وغطاء كثيفا لئلا يعتبر من عجائب مصنوعاته سبحانه وغرائب مخترعاته وبعد خلقه سبحانه كذلك فَمَنْ يَهْدِيهِ ويرشده اى ينقذه من الضلال ويهديه الى فضاء الوصال مِنْ بَعْدِ إضلال اللَّهُ إياه واذلاله أَفَلا تَذَكَّرُونَ وتتعظون من تبدل أحواله ايها العقلاء المجبولون على فطرة العبرة وفطنة العظة والتذكرة

وَمن غاية غوايتهم وضلالهم عن مقتضى كمال قدرة الله وعدم تنبههم وتفطنهم بوحدة ذاته وبكمالات أسمائه وصفاته واستقلاله في تدبيراته وتصرفاته قالُوا منكرين للحشر والنشر ما هِيَ اى ما الحال والحياة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا التي نحن نَمُوتُ وَنَحْيا فيها لا منزل لنا سواها ولا مرجع لنا غيرها وَبالجملة ما يُهْلِكُنا وما يميتنا ويعدمنا فيها إِلَّا الدَّهْرُ اى مر الزمان وكر الدهور والأعوام لا فاعل لنا سواه ولا متصرف فينا غيره وَالحال انه ما لَهُمْ بِذلِكَ الذي صدر عنهم مِنْ عِلْمٍ عقلي او نقلي او كشفى بل إِنْ هُمْ اى ما هم باعتقادهم هذا إِلَّا يَظُنُّونَ ظنا على وجه التقليد والتخمين بلا سند لهم يستندون اليه سوى الالف بالمحسوسات والتقليد بالرسوم والعادات

وَمن نهاية جهلهم وغفلتهم عن الله ومقتضى ألوهيته وربوبيته إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا الدالة على كمال تربيتنا إياهم مع كونها بَيِّناتٍ مبينات لهم طريق الهداية والرشد ومنبهات على ميعاد المعاد ما كانَ حُجَّتَهُمْ ودليلهم حين سمعوها إِلَّا أَنْ قالُوا على سبيل الإنكار والاستبعاد ائْتُوا بِآبائِنا وأسلافنا الذين مضوا وانقرضوا احياء كما كانوا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ

في دعوى الحشر والنشر والمعاد الجسماني والروحاني وبعد ما اعرضوا عن الحق وانصرفوا عن الآيات البينات مكابرة وعنادا وتشبثوا بأذيال أمثال هذه الحجج الواهية والتخمينات الغير الوافية

قُلِ لهم يا أكمل الرسل كلاما يحرك سلسلة حميتهم الفطرية ومحبتهم الجبلية لو ساعدهم التوفيق والعناية من لدنا اللَّهُ المظهر للكل المحيط به المتصرف فيه على الإطلاق بالاختيار والاستحقاق يُحْيِيكُمْ ويبعثكم في النشأة الاخرى كما أوجدكم وأظهركم من كتم العدم أولا في النشأة الاولى بمد ظله ورش نوره عليكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ويعدمكم بقبضه عنكم ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ مع من انقرض منكم ومن آبائكم واسلافكم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الذي لا رَيْبَ فِيهِ وفي وقوعه ووقوع ما فيه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المجبولين على الكفران والنسيان لا يَعْلَمُونَ وقوعه وقيامه بل يكذبونه وينكرون عليه لاعتيادهم بالأمور الحسية وقصورهم عن مدركات الكشف والشهود

وَكيف ينكرون جمع الله عباده في النشأة الاخرى أولئك المكابرون المعاندون إذ لِلَّهِ المتوحد بالالوهية والربوبية مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وناسوتهما وملكوتهما وجبروتهما ولاهوتهما جميعا وله التصرف المطلق في عموم مظاهره ومجاليه مطلقا بكمال الاستحقاق والاستقلال ارادة واختيارا وَبالجملة يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ المعدة للحشر والجزاء يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ المنكرون حين يشاهدون أرباح المحقين المؤمنين بقيام الساعة وبحقية جميع ما فيها من الوعد والوعيد

وَتَرى ايها المعتبر الرائي حين تقوم الساعة ويحشر الناس الى المحشر للحساب كُلَّ أُمَّةٍ من الأمم جاثِيَةً مجتمعة مستوحشة باركة على الركب جالسة على رؤس الأصابع من شدة دهشتهم وخوفهم كُلَّ أُمَّةٍ اى كل فرد من افراد الأمم تُدْعى إِلى كِتابِهَا بين يدي الله اى صحيفة أعمالهم التي قد كتب فيها عموم أحوالهم وأفعالهم الكائنة الحاصلة منهم الجارية في النشأة الاولى فيقال لهم الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ كل منكم ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>