للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمشركي مكة خذلهم الله قصة قوم عاد مع أخيك هود عليه السلام وقت إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ امحاضا للنصح لهم وهم يسكنون بِالْأَحْقافِ اى الرمال المعوجة المستوية على شاطئ البحر وَالحال انه قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ والرسل المنذرون مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ اى قبل هود عليه السلام وَمِنْ خَلْفِهِ اى بعده عليه السلام كلهم متفقون في المنذر به ألا وهو أَلَّا تَعْبُدُوا اى ان لا تعبدوا إِلَّا اللَّهَ الواحد الأحد الصمد الحقيق بالاطاعة والعبادة ولا تشركوا به شيأ من مصنوعاته ولا تتوجهوا ولا تسترجعوا في الخطوب الا اليه وانصرفوا من عبادة غيره إِنِّي بسبب عبادتكم غير الله واتخاذكم آلهة سواه أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ هائل شديد وبعد ما سمعوا منه ما سمعوا من التوحيد ٢٢ قالُوا متهكمين معه مشنعين عليه أَجِئْتَنا مدعيا ملتزما لِتَأْفِكَنا وتصرفنا عَنْ آلِهَتِنا اى عن عبادتهم واطاعتهم ونؤمن بك وبإلهك وبالجملة نحن لا نؤمن بك ولا نصدقك في قولك فَأْتِنا بِما تَعِدُنا وتخوفنا من العذاب على الشرك الآن إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواك انه آت لا محالة وبعد ما استهزؤا به واستعجلوا بالعذاب الموعود

قالَ هود عليه السلام انى اعلم بمقتضى الوحى الإلهي انه لآت البتة ولكن لا اعلم متى يأتى إذ لم يوح الى وقت إتيانه بل إِنَّمَا الْعِلْمُ بوقت حلوله وإتيانه عِنْدَ اللَّهِ المستقل باطلاع عموم الغيوب وَانما أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وأمرت بتبليغه من لدنه سبحانه إذ ما على الرسول الا البلاغ وَلكِنِّي أَراكُمْ بسبب أعراضكم عن الحق واهله وإصراركم على الشرك الباطل والضلال الزاهق الزائل قَوْماً تَجْهَلُونَ عن كمال عظمة الله وعزته وعن مقتضيات قوته وقدرته وبالجملة قال هود عليه السلام ما قال وهم قد كانوا على شركهم واضرارهم كما كانوا

فَلَمَّا رَأَوْهُ يوما من الأيام عارِضاً سحابا إذا عرض على الأفق مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ اى متوجها لأمكنتهم التي قد كانوا متوطنين فيها وكانوا حينئذ مجدبين قد حبس عليهم القطر قالُوا فرحين مستبشرين هذا عارِضٌ مطر مبارك توجه نحو بلادنا مُمْطِرُنا مطرا عظيما وهم استدلوا من سواد لونه الى كثرة مائه وبعد ما استبشروا فيما بينهم قال لهم عليه السلام مضربا عن قولهم معرضا لهم بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ واستبشرتم باستقباله رِيحٌ عاصفة لا راحة فيها بل فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ لا عذاب أشد ايلاما منها إذ

تُدَمِّرُ وتهلك كُلَّ شَيْءٍ ذي حياة بِأَمْرِ رَبِّها وبمقتضى مشيته وإراداته وبعد ما وصلت الريح إليهم وأحاطت باماكنهم وحواليهم دمرتهم تدميرا بليغا وأهلكتهم إهلاكا كليا الى حيث استأصلتهم بالمرة فَأَصْبَحُوا وصاروا لا يُرى منهم إِلَّا مَساكِنُهُمْ اى سوى دورهم الخربة واطلالهم المندرسة الكربة وبالجملة ليس هذا مخصوصا بهم بل كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ الخارجين عن ربقة عبوديتنا بارتكاب الجرائم والآثام. ثم أشار سبحانه الى توبيخ مشركي مكة خذلهم الله ومجرميهم على وجه التأكيد والمبالغة فقال سبحانه مقسما

وَالله يا اهل مكة لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ واقدرناهم اى عادا فِيما اى في الأمور التي إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ اى ما مكناكم واقدرناكم كما مكناهم واقدرناهم فيه من كثرة الأموال والأولاد والحصون المشيدة والقلاع المرتفعة المنيعة والقصور الرقيعة والمنازل الوسيعة وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً ليسمعوا به بآياتنا الدالة على وحدة ذاتنا وَأَبْصاراً ليشهدوا بها آثار قدرتنا ومتانة حكمتنا الدالة على كمال علمنا وَأَفْئِدَةً لينكشفوا بها على وحدة ذاتنا ويتفطنوا بها باستقلالنا في تدبيراتنا وتصرفاتنا ومع ذلك فَما أَغْنى وما دفع عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ اى

<<  <  ج: ص:  >  >>