للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرار فعليكم ان تستعدوا لأخراكم في اولاكم وتهيئوا اسباب اخراكم وعقباكم في دنياكم

وَمن معظم زاد يوم المعاد الجهاد مع جنود اعداء الله في الأنفس والآفاق لذلك يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا من شدة حرصهم وشغفهم على القتال وترويج كلمة التوحيد وإعلاء دين الإسلام لَوْلا وهلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ مشتملة على الأمر بالجهاد حتى نجاهد في سبيل الله ونبذل غاية وسعنا في ترويج دينه فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ بمقتضى ما تمناها المخلصون وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ اى امر به فيها على البت واستبشر المؤمنون المخلصون بنزولها واستعدوا لامتثالها وقبول ما فيها رَأَيْتَ يا أكمل الرسل حينئذ المنافقين الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ راسخ وضعف مستقر مستمر يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ حين تلاوتك وتبليغك إياهم ما يوحى إليك من ربك نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ يعنى قد صاروا حين سمعوا الأمر بالقتال من كمال نفاقهم وشقاقهم كأنهم قد أشرفوا على الموت وظهرت عليهم اماراته بحيث قد شخصت أبصارهم من أهواله جبنا من القتال وبغضا وحسدا على غلبتك وظهور دينك وبالجملة فَأَوْلى لَهُمْ اى قد قرب لهم ويلهم وحاق وأحاط بهم ما يكرهون ويخافون منه أولئك الأشقياء المردودون مع ان الأليق والاولى بحالهم في هذه الحالة

طاعَةٌ اى انقياد واطاعة وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ مقبول مستحسن عند ذوى العقول والمروات وارباب الفتوات لو صدر عنهم هذا لكان خيرا لهم وأليق بحالهم لو كانوا مؤمنين موقنين وبالجملة فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ اى جد ولزم امر القتال لأصحابه وجزموا له فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ المطلع بما في ضمائرهم ونياتهم فيما أظهروا من الحرص والجرأة على القتال مثل المؤمنين المخلصين لَكانَ الصدق والثبات على العزيمة خَيْراً لَهُمْ في أولاهم وأخراهم ولما لم يصدقوا ولم يثبتوا على ما أملوا من طلب القتال فقال

فَهَلْ عَسَيْتُمْ وما يتوقع منكم وما يلوح من ظاهر حالكم وما قاربتم أنتم ايها المنافقون المسرفون الكاذبون انكم إِنْ تَوَلَّيْتُمْ وأعرضتم عن الإسلام واستوليتم على الأنام أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ المعدة للصلاح والسداد وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ من المؤمنين المجبولين على فطرة التوحيد والإسلام مع انكم مجبولون على القطع وعدم الوصلة حقيقة وبالجملة

أُولئِكَ الأشقياء المعرضون عن الهداية والرشد الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ العليم الحكيم وطردهم عن ساحة عز حضوره فَأَصَمَّهُمْ لهذه الحكمة والمصلحة عن استماع دلائل توحيده وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ايضا عن مشاهدة آيات ألوهيته وربوبيته الظاهرة على صفحات الأنفس والآفاق

أَيصرون أولئك المسرفون المصرون على الاعراض والانصراف عن الهدى فَلا يَتَدَبَّرُونَ ولا يتصفحون الْقُرْآنَ ولا يتأملون ما فيه من المواعظ والتذكيرات المفيدة لهم الموصلة الى الهداية والنجاة عن اهوال يوم القيامة حتى ينزجروا عن ارتكاب المعاصي وينصرفوا عن الميل إليها أَمْ عَلى قُلُوبٍ يعنى بل مختومة على قلوبهم أَقْفالُها مطبوعة عليها آثامها وآثارها لذلك لا تأثر لهم من القرآن ومواعيده مع انهم آمنوا له قبل نزوله على ما وجدوا في كتبهم نعته ونعت من انزل اليه وعرفوا أحكامه ومع ذلك أنكروا عليه وارتدوا عنه عنادا ومكابرة وبالجملة

إِنَّ المسرفين المفسدين الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ سيما مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ ولاح لَهُمُ الْهُدَى والرشد وجزموا بحقيته وحقية ما فيه من الاحكام والعبر والمواعظ الشَّيْطانُ المغوى قد سَوَّلَ لَهُمْ اى حسن وزين لهم الارتداد عن الحق تغريرا وتلبيسا سيما بعد ما وضح لهم حقيته وَأَمْلى لَهُمْ بتسويلاته خلاف ما ظهر عليهم من ألسنة كتبهم ورسلهم

ذلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>