للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن قشور مطلق التخمين والتقليد مقتصدا في جميع اطوارك وشئونك مقتفيا في جميع اخلاقك اثر نبيك الهادي الى سواء السبيل حتى ينفتح لك أبواب عموم الكرامات والسعادات ويغلق ذلك مداخل انواع المكروهات والمنكرات وإياك إياك ان تختلط مع اهل الغفلة واصحاب الجهالات المترددين في اودية البغي ومهاوي الضلال ليتيسر لك التحقق الى فضائل الوصال. جعلنا الله من زمرة أوليائه المقتصدين الذين ثبتوا على الصراط المستقيم

[سورة الحجرات]

[فاتحة سورة الحجرات]

لا يخفى على ارباب المحبة والولاء المتحققين بمقام التأديب والتسليم مع الله في عموم أحوالهم وأفعالهم ان كمال العبودية والإخلاص انما يظهر بحسن الأدب والمحافظة على أداء حقوق الربوبية والوفاء على مقتضيات عهود الألوهية وذلك انما يحصل برعاية حقوق من اختاره الله لرسالته واصطفاه لخلته إذ هو الوسيلة الموصلة لعباد الله الى الله وهو الهادي المرشد لهم في جناب قدرته لذلك اوصى سبحانه خلص عباده بمحافظة الأدب مع الله ورسوله فقال بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ المراقب احوال عباده الرَّحْمنِ عليهم بتعليم الأدب إياهم الرَّحِيمِ لهم بتلقين الرضاء والتسليم

[الآيات]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم مراعاة الأدب مع الله ورسوله فعليكم ان لا تُقَدِّمُوا ولا تتقدموا في امر من الأمور وحكم من الاحكام بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لا تبادروا بإمضاء الاحكام ما لم تشاوروا بكتاب الله وسنة رسوله ولم يعرضوها عليهما وَاتَّقُوا اللَّهَ المقتدر الغيور المطلع على ما في ضمائركم ونياتكم واحذروا عن المسابقة والمبادرة في الأقوال والاحكام بمقتضى اهويتكم وآرائكم إِنَّ اللَّهَ المراقب عليكم في عموم أحوالكم سَمِيعٌ بأقوالكم عَلِيمٌ بنياتكم فيها

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا من خصائص ايمانكم بالله وبرسوله ان لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ وقت التكلم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ بل لكم ان لا تخلطوا أصواتكم مع صوته صلّى الله عليه وسلّم بل وَعليكم ان لا تَجْهَرُوا لَهُ صلّى الله عليه وسلّم بل في حضوره ومجلسه صلّى الله عليه وسلم بِالْقَوْلِ مطلقا كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ إذ الجهر بالقول معه مخل بحرمته صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمه وانما نهاكم سبحانه عما نهاكم كراهة أَنْ تَحْبَطَ وتضيع أَعْمالُكُمْ اى الصالحات منها وَان أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ حبوطها وضياعها وبالجملة

إِنَّ المؤمنين المحسنين الَّذِينَ يَغُضُّونَ ويحفظون أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مراعاة لتعظيمه وحفظا للأدب معه صلّى الله عليه وسلم أُولئِكَ السعداء المقبولون هم الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ المجرب لإخلاص عباده قُلُوبَهُمْ التي هي اوعية الأيمان والإخلاص ليجعلها مقرا لِلتَّقْوى المثمرة لانواع اللذات الروحانية لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ستر وعفو من مقتضيات بشريتهم وَأَجْرٌ عَظِيمٌ هو تحققهم بمقام الرضاء والتسليم. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة

إِنَّ المسرفين المسيئين الَّذِينَ يُنادُونَكَ يا أكمل الرسل مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ حين كنت مستريحا في خلوتك فارغا في همك عن مقتضيات النبوة متوجها الى ربك حسب حصة ولايتك أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ولا يفهمون خلوتك مع ربك ومنزلتك عنده سبحانه ولا يتفطنون باستغراقك بمطالعة وجهه الكريم إذ لو كان لهم عقل يوقظهم عن منام الغفلة لارشدهم البتة الى مراعاة الأدب معك يا أكمل الرسل

<<  <  ج: ص:  >  >>