للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حين احتياجهم إليك وارادتهم صحبتك حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لهدايتهم وإرشادهم بمقتضى شفقة النبوة لَكانَ خَيْراً لَهُمْ واولى من مبادرتهم الى النداء وَاللَّهُ المطلع بما في ضمائرهم من الإخلاص غَفُورٌ يغفر زلتهم ان وقعت منهم أحيانا رَحِيمٌ يرحمهم ان كانوا من ذوى الإخلاص مع الله ورسوله. ثم نادى سبحانه عموم المؤمنين المخلصين نداء ارشاد وتعليم تهذيبا لأخلاقهم عما لا يليق بشأن المؤمنين الموحدين فقال

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم بالله حسن الظن بإخوانكم المؤمنين فعليكم انكم إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ منحرف عن عدالة الايمان خارج عن مقتضى التوحيد والعرفان بِنَبَإٍ وخبر على وجه الافتراء والمراء فَتَبَيَّنُوا اى عليكم ان تتفحصوا وتستكشفوا عنه ولا تبادروا الى تصديقه كراهة أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً سوأ واذية بمجرد الظن الكاذب مع انكم متصفون بِجَهالَةٍ اى كنتم جاهلين بحالهم فَتُصْبِحُوا وتصيروا بعد ما أصبتم القوم البرآء عَلى ما فَعَلْتُمْ من اذياتهم نادِمِينَ محزونين مغتمين كلما تذكرتم تغممتم

وَاعْلَمُوا ايها المؤمنون أَنَّ فِيكُمْ وبين أظهركم رَسُولَ اللَّهِ وسنته السنية الموروثة له من ربه في حياته وبعد مماته فعليكم الإطاعة والمراجعة اليه حين حياته والى سنته وشرعه بعد مماته صلّى الله عليه وسلّم في مطلق الأمور والخطوب والعرض عليه وعليها والمشاورة معه ومعها فعليكم ان لا تكلفوه صلّى الله عليه وسلم الى قبول ما قد حسنت لكم نفوسكم من الأمور والاحكام والخطوب الواقعة بينكم فانه لَوْ يُطِيعُكُمْ ويقبل منكم قولكم فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ أثمتم أنتم وهلكتم في الإثم البتة واستغرقتم فيه إذ من مقتضى ايمانكم وانقيادكم له ان تفوضوا أموركم كلها اليه وتستصوبوها منه صلّى الله عليه وسلّم فان صوبها فبها والا فلا تكلفوه إذ منصب النبوة ومقتضى الحكمة يأبى عن ذلك وَلكِنَّ اللَّهَ الحكيم العليم قد حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ يعنى لا تعتذروا في رمى البرئ بمجرد القول الباطل والظن الفاسد بمحبة الايمان وكراهة الكفر فانه سبحانه وان حبب إليكم الايمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ المؤدى اليه وَالْعِصْيانَ المستلزم له لكنه لما حبب الايمان حببه على مقتضى الإخلاص والصدق والعدالة وكره الكفر الناشئ عن قصد واختيار لا ان ينسب اى ينسب عن بهتان وزور فانه سبحانه لا يرضى لعباده أمثال ذلك وبالجملة أُولئِكَ المؤمنون المجتنبون عن الزور والتهمة هُمُ الرَّاشِدُونَ المقصورون على الرشد والهداية الى صراط مستقيم هو صراط التوحيد المعتدل بين كلا طرفي الإفراط والتفريط وانما صار رشادهم هذا

فَضْلًا ناشئا مِنَ اللَّهِ المطلع بعموم استعدادات عباده وقابلياتهم وَنِعْمَةً موهوبة لهم من عنده وَاللَّهُ المحيط بعموم افعال عباده عَلِيمٌ بحوائجهم المصلحة لهم حَكِيمٌ في افاضتها حسب المصلحة

وَمن جملة أخلاقكم ايها المؤمنون المعتدلون في مقتضى الايمان إِنْ كانت طائِفَتانِ كلتاهما مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا وتقاتلوا عن ثوران اللقوة الغضبية وهيجان الحمية الجاهلية من كلا الجانبين بسبب الخصومة المستمرة والعصبية المؤبدة فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما مهما أمكن الصلح على وفق الحكمة والعدالة فَإِنْ بَغَتْ اى غوت وغلبت إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى بحيث ادى بغيها الى الإفراط والظلم الخارج عن مقتضى العدالة الإلهية فَقاتِلُوا أنتم ايها المصلحون بأمر الله مظاهرين على الطائفة المغلوبة مع الطائفة الغالبة والفئة الباغية الَّتِي تَبْغِي وتغوى

<<  <  ج: ص:  >  >>