للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البعث الذي جاء صلّى الله عليه وسلّم لتبيينه وللانذار بما فيه من انواع العقبات والعقوبات وبالجملة فَهُمْ بمقتضى أحلامهم السخيفة مغمورون فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ مضطرب مخلوط حيث يلتبس عليهم حقيته صلّى الله عليه وسلّم وحقية عموم ما جاء به لذلك يترددون في شأنه ويقولون تارة انه شاعر وتارة انه ساحر وتارة كاهن وتارة مجنون مخبط يتكلم بكلام المجانين الى غير ذلك من المفتريات الباطلة

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا ولم يتفكروا ولم يتفطنوا حين أنكروا البعث والحشر إِلَى السَّماءِ المطبقة المعلقة فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها ورفعناها بلا اعمدة وأساطين وَكيف زَيَّنَّاها بالكواكب المتفاوتة في الإضاءة والتنوير وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ نتو وفتوق بل قد خلقناها ملساء متوازية السطوح متلاصقة الطباق

وَلم ينظروا ايضا الى الْأَرْضَ ولم يتدبروا فيها كيف مَدَدْناها ومهدناها بكمال قدرتنا وحكمتنا وَأَلْقَيْنا فِيها وعليها رَواسِيَ جبالا ثوابت شامخات وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف من انواع النباتات بَهِيجٍ حسن كريم تبهج عيون الناظرين وتسر قلوبهم وبالجملة ما خلقنا عموم ما خلقنا من العجائب والغرائب الا لتكون

تَبْصِرَةً وَذِكْرى اى عظة وعبرة دالة على كمال قدرتنا ومتانة حكمنا وحكمتنا لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ رجاع إلينا متوجه نحونا بكمال التبتل والتفويض ليتذكر بها ويتفطن منها على كمال اقتدارنا واختيارنا في خلق عموم مرادتنا ومقدوراتنا ومن جملتها حشر الأموات وبعثهم من قبورهم احياء

وَكيف يسع لأولئك الحمقى الهالكين في تيه العناد والجحود انكار قدرتنا على البعث والإعادة مع انا قد نَزَّلْنا مِنَ جانب السَّماءِ ماءً مُبارَكاً كثير الخير والبركة فَأَنْبَتْنا بِهِ بعد انزاله وتنزيله على الأرض اليابسة الميتة جَنَّاتٍ اى حدائق ذات بهجة وبهاء ونزاهة وصفاء وَلا سيما حَبَّ الْحَصِيدِ من البر والشعير وسائر الحبوب المحصورة للتقوت والتعيش

وَقد أنبتنا به خصوصا النَّخْلَ وجعلناها باسِقاتٍ طوالا متحملات لَها طَلْعٌ ثمر ذو عنقود نَضِيدٌ منضود منضد بعضه فوق بعض من غاية كثرته وكثافته وانما انبتناها لتكون

رِزْقاً لِلْعِبادِ يرزقون بها ويواظبون على شكر منعمها ومبدعها وَبالجملة قد أَحْيَيْنا بِهِ اى بالماء المنزل من جانب السماء بَلْدَةً مَيْتاً يابسة جدبة لا كلأ فيها ولا ماء كَذلِكَ الْخُرُوجُ اى خروجهم من قبورهم احياء بقدرتنا مثل ذلك فمن اين ينكرون وأنى يستبعدون أولئك الحمقى الجاهلون الجاحدون بقدرة العليم الحكيم وليس هذا التكذيب والإنكار ببدع من هؤلاء المكذبين المنكرين يا أكمل الرسل بل قد

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ مثل تكذيبهم وانكارهم قَوْمُ نُوحٍ أخاك نوحا صلّى الله عليه وسلّم حين بعث إليهم وانذرهم ونهاهم عماهم عليه من الكفر والجحود والخروج عن مقتضى الحدود وَكذلك كذبت أَصْحابُ الرَّسِّ وهو بئر كانوا يسكنون حوله أخاك حنظلة بن صفوان عليه السلام وَكذا قد كذبت ثَمُودُ أخاك صالحا عليه السلام فعقروا الناقة المقترحة

وَعادٌ أخاك هودا عليه السلام وَقد كذب فِرْعَوْنُ وملاؤه أخاك موسى الكليم وَإِخْوانُ لُوطٍ أخاك لوطا عليه السلام سماهم إخوانه لأنهم اصهاره

وَكذبت ايضا أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أخاك شعيبا عليه السلام وَكذبت قَوْمُ تُبَّعٍ وهو تبع الحميرى واسمه اسعد ابو كريب علماءهم وأئمتهم المصلحين لمفاسدهم وبالجملة كُلٌّ منهم قد كَذَّبَ الرُّسُلَ المبعوثين إليهم لهدايتهم وإرشادهم فَحَقَّ اى قد حل ولحق عليهم وَعِيدِ الموعود لهم بتكذيبهم وإصرارهم

<<  <  ج: ص:  >  >>