للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحشروا للجزاء جاءَتْ وحضرت كُلُّ نَفْسٍ من النفوس الطيبة والخبيثة مَعَها سائِقٌ موكل يسوقها الى المحشر للعرض والجزاء وَشَهِيدٌ من حفظة أعمالها وأحوالها يشهد لها او عليها وبعد ما حضر الكل بين يدي الله قيل لكل منهم من قبل الحق على وجه الخطاب والعقاب

لَقَدْ كُنْتَ ايها المغرور فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا اليوم وانكار عظيم من وقوعه كذلك كذبت بالرسل وكنت استهزأت من الهداة الثقاة واستكبرت عليهم فَكَشَفْنا اليوم عَنْكَ غِطاءَكَ الذي هو سبب غفلتك وإنكارك وعلة تعاميك واستكبارك من الآيات والنذر ألا وهو تفكرك المحسوسات العادية وإنكارك على الأمور الغيبية الخارجة عن حيازة حواسك وقواك فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يعنى قد صار بصرك بعد انكشافك بهذا اليوم حادا حديدا نافذا الا انه لا ينفعك الآن حدة بصرك وانكشافك بعد ما انقرضت نشأة الاختبار والاعتبار

وَقالَ له حينئذ قَرِينُهُ من الحفظة المراقب عليه في النشأة الاولى هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ اى هذا الذي سمعت الآن من الخطاب والعتاب هو الذي حفظته لك عندي وكتبته في صحيفة عملك قبل وقوعك فيه في النشأة الاولى وبعد ما جرى بين كل من العصاة وبين قرينهم ما جرى قد امر من قبل الحق للسائق والشهيد امرا وجوبيا حتما

أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ واطرحا فيها كُلَّ كَفَّارٍ مبالغ في الكفر والإنكار عَنِيدٍ متبالغ متناه في العناد والاستكبار

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مبالغ في المنع عن الانفاق المأمور به مُعْتَدٍ متجاوز عن الحق مائل نحو الباطل مُرِيبٍ موقع لعباد الله في الشك والشبهة في دينه القويم وصراطه المستقيم الذي أنزله سبحانه الى رسوله المتصف بالخلق العظيم وهذا المسرف المفرط هو

الَّذِي جَعَلَ اى أخذ واثبت مَعَ اللَّهِ الواحد الأحد الفرد المنزه عن الشرك مطلقا إِلهاً آخَرَ واعتقده موجدا مثله شريكا معه في عموم أفعاله وآثاره وبالجملة فَأَلْقِياهُ ايها الموكلان هذا الطاغي الباغي المتناهي في التعدي والعدوان فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ بدل ما تجاوز عن التوحيد الإلهي وأصر على التشريك والتعديد في حقه سبحانه. وبعد ما أراد الموكلان ان يبطشاه ويجراه نحو النار أخذ يصرخ وينسب شركه وضلاله الى الشيطان المضل المغوى وهو حاضر عنده سامع قوله وبعد ما سمع الشيطان منه ما سمع

قالَ له قَرِينُهُ اى الشيطان متضرعا الى الله مناجيا معه رَبَّنا يا من ربانا لاختبار اخلاص عبادك في أعمالهم ما أَطْغَيْتُهُ وما أضللته انا وَلكِنْ كانَ في نفسه فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ بمراحل عن الهداية والرشد حسب اهويته وأمانيه الفاسدة وآماله الطويلة الكاسدة وبعد ما اختصم الكافر وقرينه عند الله

قالَ الله سبحانه لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ولا تنازعوا عندي إذ لا نفع لكم الآن في الخصومة والنزاع وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ في كتبي وعلى ألسنة رسلي بِالْوَعِيدِ الهائل والعذاب الشديد على اهل الشرك والطغيان والكفر والكفران فالحكم على ما جرى بلا تبديل وتغيير إذ

ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ والحكم لَدَيَّ بل ما هو المقدر في علمي كائن على ما ثبت وكان بمقتضى العدالة والقسط الحقيقي وَبالجملة ما أَنَا في حال من الأحوال وشأن من الشئون بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ اى ليس من شأنى الظلم والتعدي على عبيدي بل هم يظلمون أنفسهم فيستحقون العقوبة على قدر عصيانهم. اذكر يا أكمل الرسل للعصاة والكفرة المشركين المصرين على العناد والإنكار

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ المعدة لجزائهم سؤال تخييل وتصوير حين طرحت عليها أفواج الكفرة والعصاة هَلِ امْتَلَأْتِ يا جهنم وَتَقُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>