للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكشف والشهود

وَكذا فِي السَّماءِ اى عالم الأسماء والفواعل والأسباب المعبر عنها بالأعيان الثابتة رِزْقُكُمْ اى أرزاقكم الصورية والمعنوية المبقية لأشباحكم وأرواحكم وَكذا ما تُوعَدُونَ أنتم من الآجال المقدرة والاجزئة المترتبة على الأعمال والأفعال الصادرة عن هوياتكم الباطلة في نشأتكم الاولى والاخرى وحالاتكم الواقعة فيهما بطريق اللف والنشر. ثم اقسم سبحانه تأكيدا لما اومأ فقال

فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ اى وبحق موجدهما ومربيهما على هذا النمط البديع والنظم الغريب العجيب إِنَّهُ في عموم ما يستدل بإيجاده وإظهاره على وجوده سبحانه وكمال علمه وقدرته ووفور حكمته ومتانة حكمه لَحَقٌّ ثابت محقق بل هو حق حقيق بالحقية وحيد بالقيومية فريد بالديمومية لا يعرض له زوال ولا يعتريه فترة وكلال وهو سبحانه في حقيته وتحققه مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ اى كما لا شبهة لكم في نطقكم وتلفظكم بالكلمات المنطوقة كذلك لا شبهة في حقية الحق وظهوره بل هو اظهر من كل ظاهر واجلى من كل جلى بل الكل انما يظهر به وبظهوره الا انكم بغيوم تعيناتكم الباطلة وظلام هوياتكم العاطلة تسترون شمس الحق الظاهر في الأنفس والآفاق بكمال الكرامة والاستحقاق. ثم ذكر سبحانه قصة ابراهيم الخليل المتحقق بمقام الكشف والشهود الفائض له من عنده سبحانه كمال المحبة والإخلاص والخلة والاختصاص مع ضيفه من الملائكة المكرمين فقال مستفهما لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم على سبيل العبرة والتذكير

هَلْ أَتاكَ أو قد وصل إليك يا أكمل الرسل حَدِيثُ ضَيْفِ جدك إِبْراهِيمَ وقصة إلمام الملائكة عليه ونزولهم عنده على صورة الأضياف الْمُكْرَمِينَ لكرامتهم وحسن صورتهم وسيرتهم مع كمال كرامتهم ونجابتهم وحسن أدبهم سلموا وقت

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ وحضروا عنده بلا استيذان منه فَقالُوا سَلاماً ترحيبا وتكريما له اى نسلم سلاما عليكم يا خليل الله قالَ ابراهيم عليه السلام في جوابهم ظاهرا وان أنكر عليهم باطنا بدخولهم بلا استيذان سَلامٌ عليكم عدل الى الرفع لقصد الدوام والثبات ليكون رده أكمل من تسليمهم وهو عليه السلام وان بادر الى رد سلامهم الا انه قد أضمر في نفسه إنكارا عليهم لذلك قال في سره هؤلاء قَوْمٌ مُنْكَرُونَ لا اعرف نفسهم ولا أمرهم ولا شأنهم

فَراغَ اى عدل ومال عنهم فجاءة إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ إذ كان اغلب مواشيه البقر فذبحه وطبخه

فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ نزلا لهم فأبوا عن اكله فعرض عليهم وحثهم على الاكل كما هو عادة ارباب الضيافة حيث قالَ أَلا تَأْكُلُونَ منه فلم يأكلوا بعد العرض والاذن ايضا وبعد ما رأى منهم ابراهيم ما رأى من الآباء عن طعامه

فَأَوْجَسَ وأضمر الخليل في نفسه مِنْهُمْ خِيفَةً خوفا ورغبا ظنا منه انهم انما امتنعوا عن طعامه ليقصدوا له سوأ. ثم لما تحسسوا ما تحسسوا من الرعب المفرط قالُوا له ازالة لرعبه لا تَخَفْ منا ولا تحزن عن امتناعنا من الاكل انا لسنا ببشر بل نحن ملائكة منزهون عن الاكل مرسلون من عند ربك لأمر عظيم قيل مسح جبرئيل العجل المشوى فحيي فقام يدرج ويدب حتى لحق بامه وبعد ما رأى ابراهيم منهم ما رأى وسمع ما سمع أمن منهم وَبعد ما امنوه وأزالوا عنه رعبه بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ إذ لم يكن له ابن مخلف عنه وكانت امرأته عجوزا عقيما عَلِيمٍ في كمال الرشد والفطنة وهو اسحق عليه السلام وبعد ما سمع الخليل منهم البشرى اخبر امرأته ثم لما سمعت استحالت واستبعدت

فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ سارة إليهم فِي صَرَّةٍ اى صرير وصيحة فَصَكَّتْ ولطمت

<<  <  ج: ص:  >  >>