للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَواءٌ عَلَيْكُمْ الصبر وعدمه اى في عدم النفع والدفع إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى ما تجزون بهذا الجزاء الا بما كسبتم لأنفسكم واعددتم فيلحقكم الآن وبال ما اقترفتم فيما مضى حتما على مقتضى العدل الإلهي فلا ينفعكم الصبر والاضطراب. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة في كتابه من تعقيب الوعيد بالوعد

إِنَّ الْمُتَّقِينَ المتحفظين في النشأة الاولى نفوسهم عن محارم الله المحترزين عن انكار آياته الواردة في الوعد والوعيد متلذذون في النشأة الاخرى فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ أية جنات وأى نعيم رياض الرضاء ونعيم التسليم

فاكِهِينَ مترفهين مسرورين فيها مطمئنين راضين بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ بمقتضى فضله وسعة جوده ولطفه وَبما وَقاهُمْ وحفظهم رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ اى عن أهوالها وافزاعها فيقال لهم فيها على سبيل التبشير والتفريح

كُلُوا وَاشْرَبُوا من الرزق الصوري والمعنوي هَنِيئاً بلا تنقيص وتكليف بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بسبب صالحات أعمالكم وحسنات أفعالكم

مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ معدة لهم مَصْفُوفَةٍ منضودة وفق أعمالهم وأحوالهم ومواجيدهم ومقاماتهم وَبعد ما تمكنوا على السرر مسرورين زَوَّجْناهُمْ وقرناهم استيناسا منا إياهم بِحُورٍ عِينٍ مصورة من المعارف والحقائق المنكشفة لهم المشهودة بعيون بصائرهم

وَقرناهم ايضا عناية منا لهم مع إخوانهم ورفقائهم من الموحدين الَّذِينَ آمَنُوا بالله وانكشفوا بتوحيده وَاتَّبَعَتْهُمْ ايضا ولحقت معهم ذُرِّيَّتُهُمْ اى جميع ما تشعب وتفرع من أولادهم وأعمالهم الصادرة عنهم حال كونهم متصفين بِإِيمانٍ يقيني وتصديق قلبي قبل وصولهم الى اليقين العيني والحقي بل قد أَلْحَقْنا بِهِمْ ايضا ذُرِّيَّتُهُمْ اى مشاهداتهم ومكاشفاتهم الواردة عليهم حسب مواجيدهم ومقاماتهم وحالاتهم بعد اتصافهم باليقين العيني والحقي وَبالجملة ما أَلَتْناهُمْ وما نقصنا عنهم مِنْ جزاء عَمَلِهِمْ الناشئ منهم الصادر عنهم في طريق الهداية والرشد مِنْ شَيْءٍ قليل نزر يسير بل قد وفرنا عليهم جزاء الكل مع مزيد عليهم تفضلا منا وإحسانا من لدنا إذ كُلُّ امْرِئٍ ذي هوية شخصية مجبولة لحكمة المعرفة ومصلحة التوحيد بِما كَسَبَ ومع ما اقترف من الأسباب والوسائل الى درجات الجنان او الى دركات النيران رَهِينٌ مرهون مقرون لا ينفصل عنها ولا ينقطع امدادنا إياهم بل

وَأَمْدَدْناهُمْ تفضلا منا عليهم وتكريما لهم بِفاكِهَةٍ من المعارف والحقائق الواردة المتجددة آنا فآنا حسب الشئون الإلهية وتجلياته الجمالية والجلالية وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ومما يتقتون لتقوى به أشباحهم وأرواحهم

يَتَنازَعُونَ ويتجاذبون على سبيل الملاطفة والملاينة فِيها كَأْساً من رحيق التحقيق مع انه لا لَغْوٌ فِيها من فضول الكلام وَلا تَأْثِيمٌ من قبح الأفعال المستلزمة لانواع الآثام كما هو عادة الشاربين في الدنيا

وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ بكأس التحقيق ورحيق اليقين غِلْمانٌ متعلقة لَهُمْ مصورة من قواهم المدركة المملوكة لهم المسخرة لنفوسهم المطمئنة الراضية المرضية بمقتضيات القضاء الإلهي كَأَنَّهُمْ من غاية الصفاء عن كدر الهوى ورعونات الرياء لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ مصون محفوظ في أصداف أشباحهم عن التلطخ بقاذورات الدنيا الدنية وعن التلوث بخبائث الآراء والأهواء الفاسدة

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ بطريق المسرة والانبساط يَتَساءَلُونَ عن أعمالهم وأحوالهم ومواجيدهم ومقاماتهم التي كانوا عليها في نشأة الابتلاء حيث

قالُوا اى بعضهم في جواب بعض على وجه المذاكرة والمواساة

<<  <  ج: ص:  >  >>