للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آياته الكبرى من السرائر والأسرار التي قد تفتتت دونها الآراء واضمحلت عندها الأهواء قائلين يعنى هؤلاء المؤمنين المقرين المعترفين لا نُفَرِّقُ ولا نميز بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ المبعوثين إلينا من لدنه سبحانه بعد ما قد ظهر الكل منه ورجع اليه وَبعد ما آمنوا بالله وإحاطته قالُوا طوعا سَمِعْنا وَسمعا أَطَعْنا بجميع ما قد جاء به الرسل من عندك يا مولانا نرجو منك غُفْرانَكَ رَبَّنا الذي ربيتنا بقدرتك بالمعرفة والايمان بين ملابس الإمكان المفضى بالطبع الى انواع الخذلان والخسران وَإِلَيْكَ يا هادي الكل لا الى غيرك إذ لا غير معك الْمَصِيرُ في الإعادة عن شياطين الأوهام والخيالات الباطلة الناشئة من لوازم الإمكان المفضية الى دركات النيران.

ثم نبه سبحانه على خلص عباده ما يئول أمرهم اليه وينقطع سعيهم دونه بقوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ الهادي لعباده نحو جنابه نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اى حسب ما في وسعها واستعدادها مما عينه الله له في سابق علمه ولوح قضائه فظهر انه لَها ما كَسَبَتْ من ثواب الخيرات حسب استعداده الفطري وَعَلَيْها ايضا مَا اكْتَسَبَتْ من جزاء الشرور والقبائح بمتابعة القوى الامارة الامكانية التي هي منشأ جميع الفتن والفساد ثم لما أشار سبحانه الى سرائر التكاليف والمجازاة أراد ان يشير الى ان الإتيان بما كلف به لا يكون الا باقداره وتوفيقه وجذب من عنده لذلك لقنهم الدعاء اليه والاستعانة منه والمناجاة معه بقوله رَبَّنا يا من ربيتنا بلطفك لقبول تكليفاتك لنصل الى صفاء توحيدك وتقديسك لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا إتيان ما كلفتنا به بسبب إمكاننا أَوْ أَخْطَأْنا فيها لقصور إدراكنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً حجابا غليظا وغشاء كثيفا تعمى به بصائر قلوبنا عن ادراك نور توحيدك وأبصارنا عن احساس شمس ذاتك كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا سهل علينا طريق توحيدك وَلا تُحَمِّلْنا من متاعب الرياضات ومشاق التكليفات القالعة لدرن الإمكان ورين التعلقات ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ولا يسع في وسعنا العمل والإتيان به وَاعْفُ اى امح بفضلك عَنَّا مقتضيات القوى البشرية واوصافنا الامكانية وَاغْفِرْ لَنا اى استر انانيتنا وهويتنا عن نظرنا وَارْحَمْنا بعد ذلك برحمتك الواسعة أَنْتَ مَوْلانا ومولى نعمنا فَانْصُرْنا بعونك ونصرك في ترويج دينك وإعلاء كلمة توحيدك عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ الساترين بغيوم هوياتهم الباطلة شمس الحق الظاهر في الأنفس والآفاق حققنا بلطفك بحقيتك وتوحيدك يا خير الناصرين ويا هادي المضلين

[خاتمة سورة البقرة]

عليك ايها المحمدي المتوجه نحو توحيد الذات شرح الله صدرك ويسر لك أمرك ان تأخذ نصيبك حسب قدرتك وطاقتك من هذه السورة المشتملة على جميع المطالب الدينية والمراتب اليقينية فلك ان تشمر أولا ذيلك عن الدنيا وما فيها معرضا عن لذاتها وشهواتها متوجها بوجه قلبك الى توحيد ربك مستفتحا بما أودعه سبحانه في صدرك من خزائن جوده ودفائن وجوده طاويا كشح حالك ومقالك عما لا يعنيك هاربا عن مصاحبة ما يضرك ويغويك طالبا الوصول الى معارج التوحيد ومدارج التجريد والتفريد راغبا عما سوى الحق من اسباب الكثرة والتقييد مستنشقا من نسمات أنسه ونفحات قدسه مستروحا بنفثات رحمته مستكشفا عن اسرار ربوبيته مستهديا من زلال هدايته بمتابعة نبيه المخلوق على صورته المبعوث الى جميع بريته مسترشدا من كتابه المنزل عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>