للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذابة كَالدِّهانِ اى تذوب كالدهن المذاب من شدة الخشية الإلهية فلا يمكنكم حينئذ التدارك والتلافي

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ حيث يخبركم بالتهيئة والتدارك قبل حلول الساعة بل

فَيَوْمَئِذٍ اى حين انشقاق السماء في يوم الجزاء لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ لا يسئل حينئذ لا عن ذنب الانس ولا عن ذنب الجان ولا يلتفت الى أعمالهما وافعالهما مطلقا بل يبعثون من قبورهم حيارى ويساقون نحو المحشر سكارى تائهين للحساب والجزاء فاعتنى سبحانه بشأنكم ونبهكم على اعداد الزاد لذلك اليوم قبل حلوله

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وكيف لا تعتدون ولا تتزودون ليومكم هذا إذ

يُعْرَفُ ويعلم يومئذ الْمُجْرِمُونَ المهملون لأمر الزاد المتصفون بالجرائم المستلزمة للانتقام بِسِيماهُمْ إذ يظهر حينئذ آثار الحزن والكآبة على وجوههم فَيُؤْخَذُ بعد الخطاب والعتاب على الحساب بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ اى تشد أعناقهم مع أرجلهم بالسلاسل ثم يطرحون في النار بأنواع الهوان والصغار فيخبركم ربكم ايها المكلفون ويعلمكم طريق الخلاص عنها قبل حلول أوانها

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فيقال لهم حين القائهم إليها مشدودين مهانين زجرا لهم وتوبيخا

هذِهِ النار التي أنتم تصلون فيها الآن جَهَنَّمُ الموعودة المعدة الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ وقت اخبار الله إياهم على ألسنة رسله وكتبه فالآن

يَطُوفُونَ ويترددون بَيْنَها اى بين النار وَبَيْنَ حَمِيمٍ ماء حار آنٍ متناه في الحرارة بحيث يغلب إحراقه وحرارته على النار المسعرة فأراد سبحانه انقاذكم منها فيما مضى بإرسال الرسل وإنزال الكتب

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ايها المجبولان على الكفران والنسيان. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة في كتابه من تعقيب الوعيد بالوعد

وَلِمَنْ خافَ من كلا الفريقين من مكلفى الجن والانس في النشأة الاولى مَقامَ رَبِّهِ اى خاف عن قيامه بين يدي ربه في النشأة الاخرى للعرض والجزاء واشتغل في هذه النشأة لاعداد ذلك اليوم وهيأ أسبابه من اكتساب الحسنات واجتناب السيئات من الأخلاق والاعتقادات وصوالح الأعمال والعبادات وسائر الطاعات المقبولة يومئذ عند الله على مقتضى ما أمرهم الحق ونهاهم عنه بإرسال الرسل وإنزال الكتب جَنَّتانِ معدتان لكل خائف عند ربه جنة جسمانية يتلذذ فيها بدل ما ترك من اللذات الدنياوية وشهواتها الفانية اتقاء عن الله وجنة روحانية عناية من الله وفضلا مما لا عين رأت ولا اذن سمعت الحديث وبالجملة

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ والجنتان المذكورتان

ذَواتا أَفْنانٍ انواع واصناف من الأثمار البهية والفواكه الشهية وانواع الحدائق من الحقائق والمعارف المثمرة للحالات العلية والمقامات السنية فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ

فِيهِما اى في تينك الجنتين عَيْنانِ منتشئتان ومترشحتان من بحر الحيات الإلهية متفرعتان على أسمائه وأوصافه الجمالية والجلالية تَجْرِيانِ بين يدي الخائف الملتجئ الى الله على مقتضى تجلياته الحبية

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ

فِيهِما اى في تينك الجنتين مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ صنفان من المعارف والحقائق على مقتضى تربية ماء العينين المذكورتين

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ايها المسخران تحت لطفه وقهره وجلاله وجماله ثم انهم اى اهل الجنتين يتنعمون بما ذكر من النعم العظام حال كونهم

مُتَّكِئِينَ متمكنين راسخين عَلى فُرُشٍ من الاعتقادات الراسخة بَطائِنُها اى وجوهها التي تلى قلوبهم وأرواحهم مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وهو الغليظ الصلب من الديباج بحيث لا تخلخل فيها ولا فرج فيها ألا وهو المثال لليقين الحقي الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>