للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مسامات اصحاب الغفلة والضلال المنهمكين في اللذات الحسية والشهوات الواهية البهيمية الموقعة لانواع الفتن والطغيان وَحَمِيمٍ اى ماء حار متناه في الحرارة بحيث يقطع أمعاءهم لو شربوا منه شربة بدل ما تلذذوا في النشأة الاولى من الأماني النفسانية والآمال الهيولانية الحاصلة لهم من الجهل المفرط بسرائر التوحيد

وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ حاصل من دخان اسود صاعد من نار الجحيم

لا بارِدٍ كسائر الاظلال وَلا كَرِيمٍ نافع أمثالها وبالجملة

إِنَّهُمْ من شدة سكرتهم وغفلتهم كانُوا قَبْلَ ذلِكَ في النشأة الاولى مُتْرَفِينَ منهمكين في اودية الضلال واغوار اللذات والشهوات الطبيعية الامكانية

وَكانُوا حينئذ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ والذنب الكبير الذي هو الشرك بالله والإنكار لتوحيده

وَمن شدة انكارهم بمقتضيات الوحى الإلهي المتعلق بقيام الساعة وبوقوع الطامة الكبرى قد كانُوا يَقُولُونَ فيما بينهم على وجه الاستبعاد والاستنكار أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً بالية أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ مخرجون من قبورنا احياء كما كنا

أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ الأقدمون يخرجون من قبورهم احياء مع ان بعثهم وإخراجهم أشد استحالة وامتناعا من بعثنا واخراجنا كلا وحاشا إذ لم يعهد في ما مضى من الازمنة أمثال هذا بل ما هي الازيغ زائل وزور باطل

قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما بالغوا في الإنكار والعناد إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ اى الاسلاف والأخلاف

لَمَجْمُوعُونَ مجتمعون بكمال قدرة الله وحكمته إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ اى وقت معين ويوم موعود ومعهود قد عينه الله سبحانه في حضرة علمه ولوح قضائه لا بد وان يقع في ذلك الوقت البتة بلا خلف

ثُمَّ إِنَّكُمْ بعد اجتماعكم وحشركم أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ المصرون على التكذيب والإنكار

لَآكِلُونَ من شدة جوعكم في جهنم البعد والخذلان بعد خلودكم فيها

مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ اى شجر مسمى بهذا الاسم فيكون لفظة من الثانية للبيان والاولى للابتداء

فَمالِؤُنَ مِنْهَا اى من تلك الشجرة الْبُطُونَ اى بطونكم مع انه لا يدفع الجوع بل يزيده بعد أكلكم منها ملأ بطونكم

فَشارِبُونَ عَلَيْهِ اى على الزقوم مِنَ الْحَمِيمِ اى من الماء المسخن المغلى بنار الجحيم لشدة الحرقة وغلبة العطش وبالجملة

فَشارِبُونَ من الحميم شُرْبَ الْهِيمِ اى مثل الإبل الذي له داء الهيام وهو مرض في الإبل شبيه باستسقاء الإنسان

هذا الذي سمعت ايها الفطن المعتبر نُزُلُهُمْ المعدة لهم حين نزولهم في جهنم يَوْمَ الدِّينِ والجزاء وإذا كان نزلهم فيها هذا فما ظنكم بعذابهم فيها وبزجرهم بعد حساب أعمالهم. ثم خاطبهم سبحانه إظهارا للاستيلاء التام والبسطة الغالبة الكاملة توبيخا لهم وتقريعا

نَحْنُ خَلَقْناكُمْ واظهرناكم من كتم العدم حسب حولنا وقوتنا فَلَوْلا وهلا تُصَدِّقُونَ بقدرتنا على الإعادة والبعث ايها الجاهلون المكابرون

أَفَرَأَيْتُمْ اى أخبروني ايها المنكرون للبعث والجزاء ما تُمْنُونَ وتصبون في الأرحام من النطف

أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ وتجعلونه بشرا سويا سالما قابلا صالحا لانواع العلوم والإدراكات الكلية والجزئية أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ المقصورون على الخلق والتسوية ومع شهود أمثال هذه المقدورات العجيبة البديعة منا كيف تنكرون قدرتنا على البعث والحشر مع انا

نَحْنُ بمقتضى علمنا وقدرتنا وحكمتنا قد قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ والأجل بان قد عينا لموت كل واحد منكم وقتا معينا وأجلا معهودا بحيث لا يسع لكم في وقت حلوله لا التقديم منه ولا التأخير عنه وَمع ذلك ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ مغلوبين من احد منكم أصلا بان يغلب علينا بتقديم الأجل المعين المقدر من لدنا

<<  <  ج: ص:  >  >>