للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمع ذلك لَهُ في الآخرة أَجْرٌ كَرِيمٌ وفوز عظيم لا فوز أعظم منه وأكرم ألا وهو التحقق بمقام الرضاء والتسليم والاستغراق بمطالعة وجه الله الكريم اذكر يا أكمل الرسل على سبيل التبشير

يَوْمَ تَرَى ايها المعتبر الرائي الْمُؤْمِنِينَ الموحدين الموقنين المخلصين وَالْمُؤْمِناتِ ايضا كذلك يَسْعى نُورُهُمْ اى نور يقينهم وعرفانهم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ اى امامهم وقدامهم وَبِأَيْمانِهِمْ إذ إتيان الكرامة انما هو من هاتين الجهتين فيقول لهم حينئذ من يتلقاهم من الملائكة بُشْراكُمُ الْيَوْمَ دخول جَنَّاتٌ متنزهات العلم والعين والحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار المعارف والحقائق لا بحسب وقت دون وقت بل خالِدِينَ فِيها دائمين ذلِكَ اى الخلود في الجنة الموعود هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ والنوال الكريم لا فوز أعظم منه عند المكاشفين المشاهدين. ثم عقب سبحانه وعد المؤمنين بوعيد المنافقين فقال ايضا على وجه العظة والتذكير

يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ المبطلون المستمرون على النفاق والشقاق مع اهل الحق وَالْمُنافِقاتُ ايضا كذلك لِلَّذِينَ آمَنُوا حين يرونهم يسعى نورهم بين أيديهم وبايمانهم انْظُرُونا ايها السعداء المحقون والتفتوا نحونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ إذ نحن في ظلمة شديدة قِيلَ لهم من قبل الحق على سبيل التوبيخ والتقريع ارْجِعُوا وَراءَكُمْ اى الى دار الاعتبار والاختبار فَالْتَمِسُوا نُوراً واقتبسوه من مشكاة النبوة والولاية بامتثال الأوامر والنواهي الموردة من عنده سبحانه على رسله بالحكم والأسرار الصادرة من السنة اولى العزائم الصحيحة المنجذبين نحو الحق من طريق الفناء فيه بالموت الإرادي. واعلموا ان اكتساب النور واقتباسه انما هو في دار العبرة والغرور لا في دار الحضور والسرور وبعد ما جرى بينهم ما جرى فَضُرِبَ وحيل حينئذ بَيْنَهُمْ اى بين المؤمنين والمنافقين بِسُورٍ حائط حائل لَهُ اى للسور بابٌ مفتوح يدخل منه المؤمنون باطِنُهُ اى باطن الباب فِيهِ الرَّحْمَةُ النازلة من قبل الحق بمقتضى اسم الرحمن على اهل الايمان والعرفان وَظاهِرُهُ اى ظاهر الباب مِنْ قِبَلِهِ سبحانه بمقتضى اسمه المنتقم الْعَذابُ النازل على اهل النفاق والطغيان

يُنادُونَهُمْ اى المنافقون المؤمنين حال ستروا عن أعينهم وبقوا في الظلمة والعذاب محرومين قائلين متضرعين أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ايها الرفقاء في دار الدنيا مسلمين منقادين لأحكام الإسلام ممتثلين بأوامر الكلام الإلهي ونواهيه أمثالكم قالُوا اى المؤمنون في جوابهم من السور الحائل بَلى أنتم معنا ظاهرا وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بالنفاق والشقاق حسب باطنكم وَمع ذلك قد تَرَبَّصْتُمْ وانتظرتم بالمؤمنين المقت والدوائر وَارْتَبْتُمْ ترددتم وشككتم في حقية الدين القويم وظهوره على الأديان كلها وَبالجملة قد غَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ والاهوية الفاسدة والآراء الباطلة مدى العمر فانتظرتم بالمؤمنين ريب المنون وقد كنتم أنتم على أمانيكم هذه وتطيراتكم حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ الذي هو الموت فمتم منافقين مخادعين وَبالجملة قد غَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ الذي هو شياطين امارتكم وأمانيكم وتسويلات نفوسكم وقواكم وبعد ما قد وقع ما وقع

فَالْيَوْمَ الذي تبلى السرائر فيه لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ ايها المنافقون المخادعون فِدْيَةٌ تفتدون بها لتخليصكم من العذاب لا منكم ايها المنافقون وَلا مِنَ إخوانكم الَّذِينَ كَفَرُوا مجاهرين مصرين على ما هم عليه بلا مبالاة بالدين والدعوة وبالجملة مَأْواكُمُ ومحل رجوعكم وقراركم اليوم جميعا النَّارُ المعدة المسعرة لكم ايها المنافقون بالكفر والمجاهرون به هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>