للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبوا أولادهم والحال انهم في مصائبهم هذه يَبْتَغُونَ ويطلبون فَضْلًا تفضلا وإحسانا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً من لدنه سبحانه لكمال تمكنهم ورسوخهم في مقام الرضا والتسليم وَمع ذلك يَنْصُرُونَ اللَّهَ بترويج دينه وإعلاء كلمة توحيده وَرَسُولَهُ بالمعاونة والمظاهرة وبذل المال والنفس في تقوية دينه أُولئِكَ السعداء المقبولون عند الله الباذلون مهجهم في طريق الحق وصراطه المستقيم ونصرة رسوله الكريم هُمُ الصَّادِقُونَ المقصورون على الصدق والإخلاص ظاهرا وباطنا

وَبعد أولئك لفقراء الأنصار وهم الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ اى قد توطنوا وتمكنوا في المدنية ورسخوا على الايمان والإسلام بالعزيمة الصادقة الخالصة مِنْ قَبْلِهِمْ اى قبل هجرة المهاجرين إليها ومع رسوخهم وتمكنهم في الايمان يُحِبُّونَ محبة خالصة مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ من المؤمنين وَمن كمال محبتهم وإخلاصهم لإخوانهم المهاجرين لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ ووجدانهم حاجَةً باعثة لهم الى ان يحسدوا مِمَّا أُوتُوا واعطوا اى المهاجرون من سهام الفيء وسائر الغنائم والصدقات وَذلك من كمال محبتهم ومودتهم بالنسبة إليهم بل يُؤْثِرُونَ اى هم يختارون ويقدمون المهاجرين عَلى أَنْفُسِهِمْ حتى ان من كان له امرأتان نزل عن واحدة وزوجها من أحدهم وبالجملة يختارون ويقدمون المهاجرين على أنفسهم في أعز ما آثروا لنفوسهم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ اى حاجة شديدة ومحبة بليغة بالنسبة الى ذلك الشيء وما هو الا من فرط محبتهم وإخلاصهم بالنسبة الى إخوانهم المهاجرين وَبالجملة مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ويخالفها حتى يمنعها عن مقتضاها الذي هو حب المال فأنفق المال في سبيل الله طلبا لمرضاة الله ورعاية بجانب أخيه المسلم فَأُولئِكَ السعداء المنفقون المحافظون على آداب الأخوة والمروءة هُمُ الْمُفْلِحُونَ المقصورون على الفوز العظيم من عنده سبحانه عاجلا وآجلا في العاجل بالذكر الجميل وفي الآجل بالجزاء الجزيل

وَبعد فقراء الأنصار أنفقوا للفقراء التابعين لهم وهم الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ مهاجرين عن بقعة الإمكان أمثالهم نحو فضاء الوجوب مقتفين اثر أولئك الكرام مريدين لهم بإحسان مذكرين لهم بغفران حيث يَقُولُونَ في مناجاتهم مع ربهم في خلواتهم وأعقاب صلواتهم رَبَّنَا يا من ربانا على فطرة الإسلام اغْفِرْ لَنا ذنوبنا التي صدرت عنا وَكذا لِإِخْوانِنَا في الدين سيما الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وسلوك طريق العرفان وَبالجملة لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا وقلوبهم يا مولانا غِلًّا حقدا وحسدا لِلَّذِينَ آمَنُوا مطلقا لا للسابقين ولا للاحقين رَبَّنَا يا من ربانا على الإخلاص والتوفيق تقبل منا مناجاتنا واقض لنا حاجاتنا إِنَّكَ رَؤُفٌ عطوف على عموم عبادك سيما المخلصين منهم رَحِيمٌ تقبل منهم توبتهم وتغفر زلتهم ان استغفروا نحوك نادمين عما صدر عنهم. ثم قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع

أَلَمْ تَرَ ايها الرائي إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا مع المؤمنين حيث يَقُولُونَ في خلواتهم لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وقد كان بينهم صداقة الشرك واخوة الكفر وموالاة البغض مع الرسول ومع المؤمنين لا تخالطوا مع هؤلاء المدعين يعنون المؤمنين وانا معكم والله لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ من دياركم عنوة لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ البتة وَلا نُطِيعُ ولا نتبع فِيكُمْ اى في قتالكم وحرابكم أَحَداً أَبَداً سيما مع هؤلاء الأعادي وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ ونعاوننكم البتة بلا خلف منا وَاللَّهُ المطلع على عموم أفعالهم وأقوالهم ونياتهم فيها يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في قولهم

<<  <  ج: ص:  >  >>