للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْهَدُ حتما إِنَّ الْمُنافِقِينَ المصرين على ما هم عليه من الكفر والإنكار لَكاذِبُونَ في شهادتهم المزورة الصادرة منهم على وجه المبالغة والتأكيد وبالجملة

اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ المغلظة الحاصلة من شهادتهم المؤكدة بها جُنَّةً وجعلوها وقاية لأموالهم وأنفسهم فَصَدُّوا وصرفوا غزاة المسلمين بسبب ذلك الحلف الكاذب عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الذي هو قتالهم واسرهم ونهبهم وبالجملة إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الصد والنفاق والإصرار على الشقاق

ذلِكَ اى اجتراؤهم على تلك الشهادة على وجه المراء والنفاق وإصرارهم على الكفر والشقاق بِأَنَّهُمْ آمَنُوا اى بسبب انهم آمنوا أولا بالله ورسوله وأقروا بألسنتهم بما ليس في قلوبهم على وجه النفاق صونا لأموالهم ودمائهم ثُمَّ كَفَرُوا بعد ما أمنوا من مكر المؤمنين فَطُبِعَ الكفر حينئذ عَلى قُلُوبِهِمْ ورسخ فيها واستحكم وبعد الطبع والتمرن فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ولا يفهمون حقية الايمان ولذته وصحته ولا باطلية الكفر وفساده

وَبالجملة هم من غاية غفلتهم عن الله ونهاية عرائهم وخلوهم عن نور الايمان إِذا رَأَيْتَهُمْ يا أكمل الرسل تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ اى سمنها وضخامتها وَإِنْ يَقُولُوا ايضا كلاما تَسْمَعْ أنت لِقَوْلِهِمْ لفصاحتهم وحلاوة نظمهم الا انهم لخلوهم عن العلم اللدني والرشد الجبلي والصفاء الفطري الذاتي الذي هي عبارة عن نقود ارباب المحبة والولاء كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ يابسة فاقدة للقابلية الفطرية مُسَنَّدَةٌ على جواهر الجهل والبلادة ومع ذلك يَحْسَبُونَ يظنون ويترقبون من شدة شكيمتهم وغيظهم على المؤمنين كُلَّ صَيْحَةٍ واقعة عَلَيْهِمْ مسموعة لهم هُمُ الْعَدُوُّ يصيح عليهم ليهلكهم وبعد ما صار بغضهم مع المؤمنين ووهمهم ومخافتهم من العدو بهذه الحيثية فَاحْذَرْهُمْ يا أكمل الرسل واترك مصاحبتهم واحترز من غيلتهم وطغيانهم إذ الخائن الخائف ربما يصول بلا سبب وداع عليه وقل في شأنهم دعاء عليهم قاتَلَهُمُ اللَّهُ المنتقم الغيور أَنَّى يُؤْفَكُونَ وكيف يصرفون ومن اين ينحرفون عن الحق الصريح الى الباطل الغير الصحيح مع انه لا ضرورة تلجئهم اليه

وَمن شدة بغضهم وضغينتهم مع المؤمنين المخلصين إِذا قِيلَ لَهُمْ امحاضا للنصح تَعالَوْا هلموا ايها المسرفون المفرطون الى مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ويطلب المغفرة لكم من العفو الغفور لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وعطفوا أعناقهم عن القبول معتذرين باعذار كاذبة مخافة وصونا وَرَأَيْتَهُمْ ايها الرائي حينئذ في وجوههم التي هي عنوان بواطنهم وقلوبهم آثار الكفر والعناد ظاهرة لذلك يَصُدُّونَ ويعرضون عن المؤمنين مسرعين معتذرين وَهُمْ في أنفسهم مُسْتَكْبِرُونَ عن القبول والاعتذار وبالجملة

سَواءٌ عَلَيْهِمْ يا أكمل الرسل أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ من الله المنتقم الغيور أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ العليم الحكيم المتقن في عموم الأفعال ابدا إِنَّ اللَّهَ المطلع على ما في استعدادات عباده لا يَهْدِي ولا يرشد الى جادة توحيده الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ منهم الخارجين عن مقتضى الحدود الاسلامية وكيف يهديهم ويغفر لهم سبحانه مع انهم

هُمُ القوم المسرفون الَّذِينَ يَقُولُونَ للأنصار من نهاية عداوتهم وبغضهم مع الرسول والمؤمنين لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ يعنون فقراء المهاجرين حَتَّى يَنْفَضُّوا وينتشروا بعد ما اضطروا من حوله وَلم يعلموا هؤلاء الغفلة الضالون والجهلة الهالكون في تيه الجهل والعناد ان لِلَّهِ وفي قبضة قدرته وتحت ضبطه وملكته خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى الكنوز المكنونة المطوية في ضمن العلويات

<<  <  ج: ص:  >  >>