للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة التغابن]

[فاتحة سورة التغابن]

لا يخفى على من تحقق بحيطة الحق وشمول أسمائه وصفاته على عموم المظاهر والمجالى ان رجوع عموم الكوائن والفواسد الغير المحصورة في فضاء الإمكان اليه سبحانه وتوجه الكل نحوه طوعا ورغبة إذ ما من موجود الأولة حب ذاتى وميل جبلي الى دوام نشأته التي هو عليها بمقتضى هويته ولا شك ان له نحوا من الشعور بحدوثه ومسبوقيته بالعدم فثبت ان له شعورا بفاعله المظهر لهويته فبمقتضى حبه نشأته يكون له رجوع الى مبدئه يستمد منه ويحمد له كما اخبر سبحانه لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي تجلى فيما تجلى بمقتضى سعة رحمته وجوده الرَّحْمنِ على عموم المظاهر والأكوان بالامداد عليها في كل آن وشأن الرَّحِيمِ على نوع الإنسان حيث اطلعهم على سرائر توحيده وصورهم بصورته

[الآيات]

يُسَبِّحُ لِلَّهِ ويقدس ذاته عن مطلق النقائص على وجه الإطلاق بعد ما لم يبلغ كنه أسمائه وصفاته ممن لا يعد ولا يحصى السنة ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من ذرائر عموم الأكوان وكيف لا يقدسه جميع الأعيان إذ لَهُ الْمُلْكُ والملكوت على سبيل الحصر والتخصيص لا مالك سواه ولا متصرف فيه ولا مستولى عليه الا هو وَلَهُ الْحَمْدُ ايضا كذلك إذ لا مستحق للحمد بالاستحقاق الا هو ولا مفيض للنعم على الآفاق غيره ولا مقدر للارزاق سواه وَبالجملة هُوَ بذاته عَلى كُلِّ شَيْءٍ دخل في حيطة جود وجوده قَدِيرٌ لا ينتهى قدرته عند مقدور وارادته دون مراد وكيف لا يكون سبحانه قديرا لعموم المقدورات ومريدا لجميع المرادات مع انه

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وأظهركم وقدر خلقكم من كتم العدم على وجه الإبداع والاختراع بلا سبق مادة ومدة وفصلكم بعد ما أظهركم فَمِنْكُمْ كافِرٌ ساتر للحق موفق عليه محجوب بغيوم هوياته الباطلة الامكانية عن شمس الحقيقة وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ موفق على الايمان مجبول على فطرة التوحيد والعرفان ميسر لها لذلك يصير إيمانه عيانا وعيانه حقا وبيانا وَبالجملة اللَّهُ المطلع على ما في استعدادات عباده بِما تَعْمَلُونَ من عموم الأعمال في جميع الشئون والأحوال بَصِيرٌ فيعامل معكم حسب أعمالكم واعلموا ايها المكلفون قد

خَلَقَ الله سبحانه واظهر بكمال قدرته السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ مظاهر ما في العلويات والسفليات ملتبسة بالحكمة المتقنة البالغة في الاحكام والإتقان جدا لا يبلغ كنهه احلام الأنام وبعد ما رتبها بحكمته على هذا النظام الأبلغ الابدع انتخب من مجموع الكائنات ما هو زبدته وخلاصته وَصَوَّرَكُمْ ايها المجبولون على فطرة التوحيد والتحقيق منها فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ إذ خلقكم على صورته قابلا لخلافته لائقا للتخلق بأخلاقه والاتصاف بصفوة أوصافه وجعل فطرتكم علة غائية مرتبة على عموم مظاهره ومصنوعاته وَكيف لا يصوركم بصورته ولا يحسن صوركم إذ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ اى مصير الكل نحوه ومرجعه لديه ومبدأه منه ومعاده اليه

يَعْلَمُ بعلمه الحضوري جميع ما فِي السَّماواتِ اى عالم الأسماء والصفات من الكمالات اللائقة للظهور والبروز وَكذا ما في الْأَرْضِ اى عموم ما في استعدادات قوابل الطبائع والأركان من الماديات والمجردات وَيَعْلَمُ ايضا ما تُسِرُّونَ ايها المكلفون وَما تُعْلِنُونَ مما تعملون من عموم الأعمال في جميع الشئون وَبالجملة اللَّهُ المحيط بالكل بمقتضى تجليه وظهوره

<<  <  ج: ص:  >  >>