للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه المطلع على ما في استعدادات عباده عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ إذ لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عن حيطة علمه ذرة. ثم قال سبحانه توبيخا على من خرج عن ربقة عبوديته

أَلَمْ يَأْتِكُمْ ايها الكافرون المنكرون بظهور الحق وثبوته وتحققه في الأنفس والآفاق بالاستقلال والاستحقاق نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ كقوم نوح وهود وصالح عليهم السلام فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ يعنى كيف ذاقوا ضرر كفرهم وشركهم من العذاب النازل عليهم في النشأة الاولى بعد ما أصروا على ما هم عليه ولم يهتدوا بإرشاد الأنبياء والرسل وَلَهُمْ في النشأة الاخرى عَذابٌ أَلِيمٌ لا عذاب أشد ايلاما من ذلك ألا وهو حرمانهم عن ساحة عز القبول الإلهي

ذلِكَ الويل والوبال عليهم في النشأة الاولى والاخرى بِأَنَّهُ اى بسبب ان الشأن والأمر فيما بينهم هكذا قد كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ مؤيدين من عند الله بِالْبَيِّناتِ الواضحة والمعجزات الباهرة اللائحة فَقالُوا بعد ما عجزوا عن معارضة معجزاتهم الساطعة وحججهم القاطعة على سبيل التعجب والإنكار أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا كلا وحاشا ان يكون بشر هاديا للبشر وبالجملة فَكَفَرُوا بالرسل والمرسل والمرسل به جميعا وَتَوَلَّوْا واعرضوا مستنكفين عن التدبر والتفكر في الحجج والبينات وَالحال انه قد اسْتَغْنَى اللَّهُ عن كل شيء فضلا عن هدايتهم وطاعتهم وَاللَّهُ المتعزز برداء العظمة والكبرياء غَنِيٌّ في ذاته عن مطلق مظاهره ومصنوعاته فكيف عن عبادتهم واطاعتهم حَمِيدٌ أوصافه وأسماؤه مستغن عن حمد عموم الحامدين ومن كمال جهلهم بالله وإصرارهم على انكار قدرة الله بعموم المقدورات

زَعَمَ بل ادعى العلم واليقين المسرفون المعاندون الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وأنكروا قدرته سبحانه على الحشر والنشر أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا من قبورهم ولن يحشروا الى المحشر للحساب والجزاء وأصروا على هذا الزعم الفاسد والجهل الظاهر بل اعتقدوه حقا وتخيلوه صدقا مكابرة وعنادا قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما بالغوا في انكار البعث بَلى تبعثون أنتم ايها المنكرون الجاحدون وَحق رَبِّي الذي رباني قابلا لوحيه والهامه وجعلني مهبطا لعموم أحكامه المنزلة من عنده لَتُبْعَثُنَّ أنتم البتة ثُمَّ بعد البعث والحشر لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ اى بعموم ما اقترفتم في النشأة الاولى ولتحاسبن عليه ولتجازون بمقتضاه بحيث لا يشذ شيء منه وَذلِكَ التفصيل والإحصاء عَلَى اللَّهِ العليم البصير يَسِيرٌ وان كان عندكم صعبا عسيرا وبعد ما سمعتم ما سمعتم من كمال قدرة الله واحاطة علمه وخبرته

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ المستخلف منه وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا معه تأييدا له وتبيينا لدينه يعنى القرآن الفارق بين الحق والباطل وَاللَّهُ المطلع على ما في استعداداتكم بِما تَعْمَلُونَ بمقتضى القرآن وتمتثلون بأوامره ونواهيه وبما تذبون عنه او تعرضون عن قبوله منكرين لما فيه من الأوامر والنواهي والعبر والاحكام والمعارف والحقائق والرموز والإشارات خَبِيرٌ يجازيكم على مقتضى خبرته اذكروا ايها المكلفون

يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ الله العليم القدير لِيَوْمِ الْجَمْعِ والحشر لأجل الحساب والجزاء إذ يجتمع فيه الملائكة والثقلان ايضا اعلموا انه ذلِكَ اليوم يَوْمُ التَّغابُنِ اى يوم ظهور الخسران والغرور الواقع في نشأة الاختبار والابتلاء وَبالجملة مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ويقر بوحدانيته سبحانه وَيَعْمَلْ عملا صالِحاً ليزيد به الايمان حتى يصير علمه عيانا وعيانه حقا وبيانا يُكَفِّرْ عَنْهُ سبحانه سَيِّئاتِهِ ويمحها عن صحيفة اعماله وَيُدْخِلْهُ حسب فضله ولطفه جَنَّاتٍ متنزهات

<<  <  ج: ص:  >  >>