للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك: أحصرتم هنا بالمرض على مشهور اللغة، فأوجب عليه الهدي «١» ولم يوجبه على من حصره العدوّ، وقال الشافعي وأشهب: «٢» يجب الهدي على من حصره العدو، وعمل الآية على ذلك، واستدلا بنحر النبي صلّى الله عليه واله وسلّم الهدي بالحديبية، وقال أبو حنيفة: يجب الهدي على المحصر بعدوّ وبمرض فَمَا اسْتَيْسَرَ أي فعليكم ما استيسر من الهدي وذلك شاة، وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ خطابا للمحصر وغيره فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً الآية: نزلت في كعب بن عجرة حين رآه النبي صلّى الله عليه واله وسلّم فقال له:

لعلك يؤذيك هوامّ رأسك: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين أو أنسك بشاة «٣» ، فمعنى الآية: أن من كان في الحج واضطره مرض أو قمل إلى حلق رأسه قبل يوم النحر جاز له حلقه وعليه صيام أو صدقة أو نسك حسبما تفسر في الحديث، وقاس الفقهاء على حلق الرأس سائر الأشياء التي يمنع الحاج منها إلّا الصيد، والوطء، وقصر الظاهرية ذلك على حلق الرأس، ولا بدّ في الآية من مضمر لا ينتقل الكلام عنه، وهو المسمى فحوى الخطاب، وتقديرها: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه فحلق رأسه فعليه فدية فَإِذا أَمِنْتُمْ أي من المرض على قول مالك، ومن العدوّ على قول غيره، والمعنى: إذا كنتم بحال أمن سواء تقدم مرض أو خوف عدوّ أو لم يتقدم فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ التمتع عند مالك وغيره: هو أن يعتمر الإنسان في أشهر الحج، ثم يحج من عامه، فهو قد تمتع بإسقاط أحد السفرين للحج أو العمرة، وقال عبد الله بن الزبير: التمتع هو أن يحصر عن الحج بعدوّ حتى يفوته الحج، فيعتمر عمرة يتحلل بها من إحرامه، ثم يحج من قابل قضاء لحجته، فهو قد تمتع بفعل الممنوعات من الحج، في وقت تحلله بالعمرة إلى الحج القابل، وقيل: التمتع هو قران الحج والعمرة فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شاة ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وقتها من إحرامه إلى يوم عرفة فإن فاته صام أيام التشريق إِذا رَجَعْتُمْ إلى بلادكم أو في الطريق تِلْكَ عَشَرَةٌ فائدته أن السبع تصام بعد الثلاثة فتكون عشرة، ورفع لئلا يتوهم أن السبعة بدل من الثلاثة، وقيل: هو مثل الفذلكة وهو قول الناس بعد الأعداد فذلك كذا، وقيل: كاملة في الثواب لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني غير أهل مكة وذي طوى بإجماع، وقيل: أهل الحرم كله، وقيل: من كان دون الميقات، وقوله ذلك. إشارة إلى الهدي أو الصيام: أي إنما يجب


(١) . الهدي: هو ما يهدى من الإبل وغيرها ينحر في الحرم.
(٢) . هو أحد علماء المالكية أخذ عن مالك واسمه أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي المصري توفي ٢٠٤ هـ بمصر.
(٣) . رواه البخاري ج ٢/ ٢٠٨ كتاب المحصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>