للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن فوق التوكل التفويض وهو الاستسلام لأمر الله تعالى بالكلية، فإن المتوكل له مراد واختيار، وهو يطلب مراده باعتماده على ربه، وأما المفوض فليس له مراد ولا اختيار، بل أسند المراد والاختيار إلى الله تعالى، فهو أكمل أدبا مع الله تعالى

وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ هو من الغلول وهو أخذ الشيء خفية من المغانم وغيرها، وقرئ «١» بفتح الياء وضم الغين، ومعناه تبرئة النبي صلّى الله عليه وسلّم من الغلول، وسببها أنه فقدت من المغانم قطيفة حمراء، فقال بعض المنافقين: لعل رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم أخذها، وقرأ نافع وغيره بضم الياء وفتح الغين، أي ليس لأحد أن يغل نبيا: أي يخونه في المغانم، وخص النبي بالذكر وإن كان ذلك محظورا من الأمر، لشنعة الحال مع النبي لأن المعاصي تعظم بحضرته، وقيل معنى هذه القراءة: أن يوجد غالا كما تقول أحمدت الرجل، إذا أصبته محمودا، فعلى هذا القول يرجع معنى هذه القراءة، إلى معنى فتح الياء وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ وعيد لمن غل بأن يسوق يوم القيامة على رقبته الشيء الذي غل، وقد جاء ذلك مفسرا في الحديث قال رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير لا ألفين أحدكم على رقبته فرس لا ألفين أحدكم على رقبته رقاع لا ألفين أحدكم على رقبته صامت، لا ألفين أحدكم على رقبته إنسان فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك «٢» أَفَمَنِ اتَّبَعَ الآية: فقيل: إن الذي أتبع رضوان الله.

من لم يغلل، والذي باء بالسخط من غل، وقيل الذي أتبع الرضوان: من استشهد بأحد، والذي باء بالسخط: المنافقون الذين رجعوا عن الغزو هُمْ دَرَجاتٌ ذووا درجات، والمعنى تفاوت بين منازل أهل الرضوان وأهل السخط، أو التفاوت بين درجات أهل الرضوان فإن بعضهم فوق بعض، فكذلك درجات أهل السخط لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ الآية إخبار بفضل الله على المؤمنين ببعث رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم مِنْ أَنْفُسِهِمْ معناه في الجنس واللسان، فكونه من جنسهم يوجب الأنس به، وقلة الاستيحاش منه، وكونه بلسانهم يوجب حسن الفهم عنه، ولكونه منهم يعرفون حسبه وصدقه وأمانته صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم ويكون، هو صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم أشفق عليهم وأرحم بهم من الأجنبيين «٣» أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ الآية. عتاب للمسلمين على كلامهم فيمن


(١) . هي قراءة عاصم وابن كثير وأبي عمرو.
(٢) . الحديث أخرجه أحمد بتفصيل عن أبي هريرة ج ٢ ص ٥٦٢.
(٣) . الأشهر جمع أجنبي على أجانب والمراد: أغراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>