للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ الضمير عائد على القرآن وإن لم يتقدم ذكره لدلالة ما بعده عليه، كأنه قال: ما تتلو شيئا من القرآن، وقيل: يعود على الشأن، والأول أرجح، لأن الإضمار قبل الذكر تفخيم للشيء إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ يقال: أفاض الرجل في الأمر إذا أخذ فيه بجدّ وَما يَعْزُبُ ما يغيب [وقرأ الكسائي يعزب] . مِثْقالِ ذَرَّةٍ وزنها والذرة صغار النمل، قال الزمخشري: إن قلت لم قدمت الأرض على السماء بخلاف سورة سبأ؟ فالجواب: أن السماء تقدمت في سبأ لأن حقها التقديم، وقدمت الأرض هنا لما ذكرت الشهادة على أهل الأرض وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ من قرأهما بالفتح فهو عطف على لفظ مثقال، ومن قرأهما بالرفع «١» ، فهو عطف على موضعه أو رفع بالابتداء.

أولياء الله اختلف الناس في معنى الولي اختلافا كثيرا، والحق فيه ما فسره الله بعد هذا بقوله: الذين آمنوا وكانوا يتقون، فمن جمع بين الإيمان والتقوى فهو الولي، وإعراب الذي آمنوا صفة للأولياء، أو منصوب على التخصيص، أو مرفوع بإضمار: هم الذين ولا يكون ابتداء مستأنفا لئلا ينقطع مما قبله هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ

أما بشرى الآخرة فهي الجنة اتفاقا، وأما بشرى الدنيا فيه الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له «٢» ، روي ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: محبة الناس للرجل الصالح، وقيل: ما بشّر به في القرآن من الثواب تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ

أي لا تغيير لأقواله ولا خلف لمواعيده، وقد استدل ابن عمر على أن القرآن لا يقدر أحد أن يبدله. وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ يعني ما يقوله الكفار من التكذيب إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ إخبار في ضمنه وعد للنبي صلّى الله عليه وسلّم بالنصر، وتسلية له وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ فيها وجهان: أحدهما أن تكون ما نافية وأوجبت بقوله: إلا الظن وكرر إن يتبعون توكيدا، والمعنى ما يتبع الكفار إلا الظن، والوجه الثاني: أن تكون ما استفهامية، ويتم الكلام عند قوله شركاء، والمعنى أي شيء يتبعون على وجه التحقير لما يتبعونه، ثم ابتدأ الإخبار بقوله


(١) . بالرفع هي قراءة حمزة. وقرأ الباقون بفتح أصغر وأكبر.
(٢) . انظر ابن ماجة كتاب تعبير الرؤيا ص/ ١٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>