للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدل من الضمير في يبتغون أي يبتغي الوسيلة من هو أقرب منهم، فكيف بغيره أو ضمّن معنى يحرصون فكأنه قيل: يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله بالاجتهاد في طاعته، ويحتمل أن يكون المعنى أنهم يتوسلون بأيهم أقرب إلى الله مَحْذُوراً من الحذر وهو الخوف.

وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ يحتمل هذا الهلاك وجهين:

أحدهما أن يكون بالموت والفناء الذي لا بد منه، والآخر أن يكون بأمر من الله يأخذ المدينة دفعة فيهلكها، وهذا أظهر، لأن الأول معلوم لا يفتقر إلى الإخبار به، والهلاك والتعذيب المذكوران في الآية هما في الحقيقة لأهل القرى أي مهلكو أهلها أو معذبوهم، وروي أن هلاك مكة بالحبشة، والمدينة بالجوع، والكوفة بالترك، والأندلس بالخيل، وسئل الأستاذ أبو جعفر بن الزبير عن غرناطة، فقال: أصابها العذاب يوم قتل الموحدين بها في ثورة ابن هود «١» ، وأما هلاك قرطبة وأشبيليه وطيطله وغيرها بأخذ الروم لها فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً يعنى اللوح المحفوظ وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الآيات يراد بها هنا التي يقترحها الكفار فإذا رأوها ولم يؤمنوا أهلكم الله. وسبب الآية أن قريشا اقترحوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل لهم [صخرة] الصفا ذهبا، فأخبر الله أنه لم يفعل ذلك لئلا يكذبوا فيهلكوا، وعبر بالمنع عن ترك ذلك، وأن نرسل في موضع نصب وأن كذب في موضع رفع، ثم ذكر ناقة ثمود تنبيها على ذلك لأنهم اقترحوها وكانت سبب هلاكهم، ومعنى مبصرة: بينة واضحة الدلالة وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً إن أراد بالآيات هنا المقترحة فالمعنى أنه يرسل بها تخويفا من العذاب العاجل وهو الإهلاك، وإن أراد المعجزات غير المقترحة، فالمعنى أنه يرسل بها تخويفا من عذاب الآخرة، ليراها الكافر فيؤمن، وقيل: المراد بالآيات هنا الرعد والزلازل والكسوف وغير ذلك من المخاوف.

وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ المعنى اذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش يعنى بشرناك بقتلهم يوم بدر وذلك قوله: سيهزم الجمع ويولون الدبر [القمر: ٤٥] ، وإنما قال: أحاط بلفظ الماضي وهو لم يقع لتحقيقه وصحة وقوعه بعد، وقيل: المعنى أحاط بالناس في منعك وحمايتك منهم كقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ اختلف في هذه الرؤيا فقيل: إنها الإسراء،


(١) . سقطت غرناطة وخرج الإسلام نهائيا من الأندلس عام ١٤٩٢ م والأسباب معروفة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>