للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصبها عذاب كما زعم موسى في قوله: أن العذاب على من كذب وتولى، ويحتمل أن يكون قال ذلك قطعا للكلام الأول، وروغانا عنه وحيرة لما رأى أنه مغلوب بالحجة ولذلك أضرب موسى عن الكلام في شأنها، فقال علمها عند ربي، ثم عاد إلى وصف الله رجوعا إلى الكلام الأول

فِي كِتابٍ يعني اللوح المحفوظ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً أي فراشا، وانظر كيف وصف موسى ربه تعالى بأوصاف لا يمكن فرعون أن يتصف بها، لا على وجه الحقيقة ولا على وجه المجاز، ولو قال له هو القادر أو الرازق وشبه ذلك لأمكن فرعون أن يغالطه ويدعي ذلك لنفسه وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي نهج لكم فيها طرقا تمشون فيها فَأَخْرَجْنا يحتمل أن يكون من كلام موسى على تقدير يقول الله عز وجل فأخرجنا، ويحتمل أن يكون كلام موسى ثم عند قوله وأنزل من السماء ماء ثم ابتدأ كلام الله.

فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى أي أصنافا مختلفة كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ المعنى أنها تصلح لأن تؤكل وترعاها الأنعام، وعبر عن ذلك بصيغة الأمر لأنه أذن في ذلك فكأنه أمر به لِأُولِي النُّهى أي العقول واحدها نهية مِنْها خَلَقْناكُمْ الضمير للأرض يريد خلقة آدم من تراب وَفِيها نُعِيدُكُمْ يعني بالدفن عند الموت وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ يعني عند البعث أَرَيْناهُ آياتِنا يعني الآيات التي رآها فرعون وهي تسع آيات، وليس يريد جميع آيات الله على العموم، فالإضافة في قوله آياتنا تجري مجرى التعريف بالعهد: أي آياتنا التي أعطينا موسى كلها، وإنما أضافها الله إلى نفسه تشريفا فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً يحتمل أن يكون الموعد اسم مصدر أو اسم زمان أو اسم مكان، ويدل على أنه اسم مكان قوله مكانا سوى، ولكن يضعف بقوله: موعدكم يوم الزينة، لأنه أجاب بظرف الزمان، ويدل على أن الموعد اسم زمان قوله يوم الزينة ولكن يضعف بقوله: مكانا سوى. ويدل على أنه اسم مصدر بمعنى الوعد قوله: لا نخلفه، لأن الإخلاف إنما يوصف به الوعد لا الزمان ولا المكان.

ولكن يضعف ذلك بقوله مكانا وبقوله يوم الزينة، فلا بد على كل وجه من تأويل أو إضمار، ويختلف إعراب قوله: مكانا باختلاف تلك الوجوه. فأما إن كان الموعد اسم مكان فيكون قوله موعدا ومكانا مفعولين لقوله اجعل، ويطابقه قوله: يوم الزينة من طريق المعنى، لا من طريق اللفظ، وذلك أن الاجتماع في المكان يقتضي الزمان ضرورة، وإن كان الموعد اسم زمان فينتصب قوله: مكانا على أنه ظرف زمان، والتقدير: موعدا كائنا في مكان وإن كان الموعد اسم مصدر فينتصب مكانا على أنه مفعول بالمصدر وهو الموعد، أو بفعل من

<<  <  ج: ص:  >  >>