للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو بفخرهم وشرفهم وهذا أظهر أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً الخرج «١» هو الأجرة ويقال فيه: خراج والمعنى واحد، وقرئ بالوجهين في الموضعين فهو كقوله أم تسألهم أي لست تسألهم أجرا فيثقل عليهم اتباعك فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أي رزق ربك خير من أموالهم فهو يرزقك ويغنيك عنهم عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ أي عادلون ومعرضون عن الصراط المستقيم.

وَلَوْ رَحِمْناهُمْ الآية: قال الأكثرون: نزلت هذه الآية حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش بالقحط فنالهم الجوع حتى أكلوا الجلود وغيرها، فالمعنى رحمناهم بالخصب وكشفنا ما بهم من ضرّ الجوع والقحط: لتمادوا على طغيانهم، وفي هذا عندي نظر، فإن الآية مكية باتفاق، وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش»

بعد الهجرة حسبما ورد في الحديث، وقيل: المعنى لو رحمناهم بالرد إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، وهذا القول لا يلزم عليه ما لزم على الآخر، ولكنه خرج عن معنى الآية وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ قيل: إن هذا العذاب هو الجوع بالقحط، وأن الباب ذا العذاب الشديد المتوعد به بعد هذا يوم بدر، وهذا مردود بأن العذاب الذي أصابهم إنما كان بعد بدر، وقيل إن العذاب الذي أخذهم هو يوم بدر، والباب المتوعد به هو القحط، وقيل: الباب ذو العذاب الشديد: عذاب الآخرة، وهذا أرجح، ولذلك وصفه بالشدّة لأنه أشد من عذاب الدنيا، وقال: إذا هم فيه مبلسون:

أي يائسون من الخير، وإنما يقع لهم اليأس في الآخرة كقوله وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ [الروم: ١٢] .

فَمَا اسْتَكانُوا أي ما تذللوا لله عز وجل، وقد تقدم الكلام على هذه الكلمة في آخر [آل عمران: ١٤٦] وَما يَتَضَرَّعُونَ إن قيل: هلا قال: فما استكانوا وما تضرعوا، أو فما يستكينون وما يتضرعون باتفاق الفعلين في الماضي أو في الاستقبال؟ فالجواب: أن ما استكانوا عند العذاب الذي أصابهم، وما يتضرعون حتى يفتح عليهم باب عذاب شديد فنفى الاستكانة فيما مضى، ونفى التضرع في الحال والاستقبال قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ ما زائدة، وقليلا صفة لمصدر محذوف تقديره: شكرا قليلا تشكرون، وذكر السمع، والبصر والأفئدة- وهي القلوب- لعظم المنافع التي فيها، فيجب شكر خالقها ومن شكره: توحيده واتباع رسوله عليه الصلاة والسلام، ففي ذكرها تعديد نعمة وإقامة حجة ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي نشركم فيها.


(١) . خراج قرأ حمزة والكسائي: خراج مرتين وقرأ ابن عامر: خرجا بدون ألف مرتين وقرأ الباقون خرجا ثم خراجا.
(٢) . انظر قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم كتاب الجهاد ج ٢/ اللهم عليك بقريش ثلاث مرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>