للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظاهر أن حدّ الأمة خمسون جلدة لقوله تعالى: «فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ» وأن حدّ العبد الجلد مائة لعموم الآية، وقال غيرهم: يجلد العبد خمسين بالقياس على الأمة، إذ لا فرق بينهما، وأما المحصن فقال الجمهور: حدّه الرجم فهو مخصوص في هذه الآية، وبعضهم يسمي هذا التخصيص نسخا، ثم اختلفوا في المخصص أو الناسخ، فقيل: الآية التي ارتفع لفظها وبقي حكمها وهي قوله: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم» وقيل: الناسخ لها السنة الثابتة في الرجم، وقال أهل الظاهر وعلي بن أبي طالب: يجلد المحصن بالآية، ثم يرجم بالسنة فجمعوا عليه الحدّين، ولم يجعلوا الآية منسوخة، ولا مخصصة، وقال الخوارج: لا رجم أصلا فإن الرجم ليس في كتاب الله، ولا يعتد بقولهم، وظاهر الآية الجلد دون تغريب، وبذلك قال أبو حنيفة، وقال مالك: الجلد والتغريب سنة للحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب «١» عام» ، ولا تغريب على النساء ولا على العبيد عند مالك، وصفة الجلد عند مالك في الظهر والمجلود جالس وقال الشافعي: يفرق على جميع الأعضاء والمجلود قائم، وتستر المرأة بثوب لا يقيها الضرب، ويجرّد الرجل عند مالك وقال قوم يجلد على قميص وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ قيل:

يعني في إسقاط الحدّ: أي أقيموه ولا بد، وقيل: في خفيف الضرب، وقيل: في الوجهين.

فعلى القول الأول: يكون الضرب في الزنا كالضرب في القذف غير مبرح، وهو مذهب مالك والشافعي، وعلى القول الثاني والثالث: يكون الضرب في الزنا أشد، واختلف: هل يجوز أن يجمع مائة سوط يضرب بها مرة واحدة؟ فمنعه مالك وأجازه أبو حنيفة لما ورد في قصة أيوب عليه السلام، وأجازه الشافعي للمريض لورود ذلك في الحديث.

وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المراد بذلك توبيخ الزناة والغلظة عليهم، واختلف في أقل ما يجزئ من الطائفة فقيل: أربعة اعتبارا بشهادة الزنا وهو قول ابن أبي زيد، وقيل: عشرة، وقيل: اثنين وهو مشهور مذهب مالك، وقيل: واحد الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً الآية: معناها ذم الزناة وتشنيع الزنا، وأنه لا يقع فيه إلا زان أو مشرك ولا يوافقه عليه من النساء إلا زانية أو مشركة، وينكح على هذا بمعنى يجامع، وقيل:

معناها لا يحل لزان أن يتزوج إلا زانية أو مشركة، ولا يحل لزانية أن تتزوج إلا زانيا أو مشركا، ثم نسخ هذا الحكم وأبيح لهما التزوج ممن شاؤوا، والأول هو الصحيح «٢» وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الإشارة بذلك إلى الزنا أي حرم الزنا على المؤمنين وقيل: الإشارة


(١) . رواه أحمد ج ٣ ص ٤٧٦ عن سلمة بن المحبق بلفظ قريب منه. [.....]
(٢) . الأقرب إلى هذه الآية أن تكون بمعنى الآية التالية: ٢٦ الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات.

<<  <  ج: ص:  >  >>