للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً [الروم: ٥٤] وإنما قصد بذكر ذلك هنا للاستدلال على قدرته تعالى على مسخ الكفار، كما قدر على تنكيس الإنسان إذا هرم.

وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ الضميران لمحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وذلك ردّ على الكفار في قولهم: إنه شاعر، وكان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا ينظم الشعر ولا يزنه، وإذا ذكر بيت شعر كسر وزنه، فإن قيل: قد روي عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب وروي أيضا عنه صلى الله عليه وسلم: هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت، وهذا الكلام على وزن الشعر فالجواب أنه ليس بشعر، وأنه لم يقصد به الشعر، وإنما جاء موزونا بالاتفاق لا بالقصد، فهو كالكلام المنثور، ومثل هذا يقال في مثل ما جاء في القرآن من الكلام الموزون، ويقتضي قوله «وما ينبغي له» تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الشعر لما فيه من الأباطيل وإفراط التجاوز، حتى يقال: إن الشعر أطيبه أكذبه، وليس كل الشعر كذلك فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن من الشعر لحكمة» «١» وقد أكثر الناس في ذم الشعر ومدحه، وإنما الإنصاف قول الشافعي الشعر كلام والكلام منه حسن ومنه قبيح إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ الضمير للقرآن يعني أنه ذكر لله أو تذكير للناس أو شرف لهم لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا «٢» أي حيّ القلب والبصيرة وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ أي يجب عليهم العذاب.

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً مقصد الآية تعديد النعم وإقامة الحجة، والأيدي هنا عند أهل التأويل عبارة عن القدرة، وعند أهل التسليم من المتشابه الذي يجب الإيمان به وعلمه عند الله فَمِنْها رَكُوبُهُمْ الركوب بفتح الراء هو المركوب وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ يعني الأكل منها والحمل عليها، والانتفاع بالجلود والصوف وغيره وَمَشارِبُ يعني الألبان لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ الضمير في يستطيعون للأصنام، وفي نصرهم للمشركين، ويحتمل العكس، ولكنّ الأول أرجح، فإنه لما ذكر أن المشركين اتخذوا الأصنام لينصروهم:

أخبر أن الأصنام لا يستطيعون نصرهم فخاب أملهم وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ الضمير الأول للمشركين والثاني للأصنام يعني أن المشركين يخدمون الأصنام ويتعصبون لهم حتى أنهم لهم كالجند، وقيل: بالعكس بمعنى أن الأصنام جند محضرون لعذاب المشركين في الآخرة والأول أرجح، لأنه تقبيح لحال المشركين

فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم معللة لما بعدها.


(١) . حديث رواه أحمد وأبو داود عن ابن عباس وأوله: إن من البيان لسحرا.
(٢) . قرأ نافع وابن عامر: لتنذر من كان حيا. وقرأ الباقون: لينذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>