للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الجملة تفسير لما في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.

وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى السعي هنا بمعنى العمل، وظاهرها أنه لا ينتفع أحد بعمل غيره، وهي حجة لمالك في قوله: لا يصوم أحد عن وليه إذا مات وعليه صيام، واتفق العلماء على أن الأعمال المالية كالصدقة والعتق يجوز أن يفعلها الإنسان عن غيره، ويصل نفعها إلى من فعلت عنه، واختلفوا في الأعمال البدنية كالصلاة والصيام وقيل: إن هذه الآية منسوخة بقوله أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ والصحيح أنها محكمة لأنها خبر: والأخبار لا تنسخ. وفي تأويلها ثلاثة أقوال: الأول: أنها إخبار عما كان في شريعة غيرنا فلا يلزم في شريعتنا الثاني: أن للإنسان ما عمل بحق وله ما عمل له غيره بهبة العامل له، فجاءت الآية في إثبات الحقيقة دون ما زاد عليها. الثالث: أنها في الذنوب، وقد اتفق أنه لا يحتمل أحد ذنب أحد، ويدل على هذا قوله بعدها: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وكأنه يقول: لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يؤاخذ إلا بذنب نفسه وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى قيل: معناه يراه الخلق يوم القيامة، والأظهر أنه صاحبه لقوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى فيه قولان أحدهما أن معناه إلى الله المصير في الآخرة، والآخر أن معناه أن العلوم تنتهي إلى الله، ثم يقف العلماء عند ذلك، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا فكرة في الرب «١» .

وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى قيل: معناه أضحك أهل الجنة، وأبكى أهل النار، وهذا تخصيص لا دليل عليه، وقيل: أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات، وهذا مجاز وقيل: خلق في بني آدم الضحك والبكاء والصحيح أنه عبارة عن الفرح والحزن لأن الضحك دليل على السرور والفرح، كما أن البكاء دليل على الحزن. فالمعنى أن الله تعالى أحزن من شاء من عباده، وأسر من شاء أَماتَ وَأَحْيا يعني الحياة المعروفة والموت المعروف وقيل: أحيا بالإيمان وأمات بالكفر والأول أرجح، لأنه حقيقة مِنْ نُطْفَةٍ يعني المني إِذا تُمْنى من قولك: أمنى الرجل إذا خرج منه المنيّ النَّشْأَةَ الْأُخْرى يعني الإعادة للحشر وأقنى يعني أكسب عباده المال، وهو من قنية المال وهو كسبه وادخاره وقيل: معنى أقنى: أفقر وهذا لا تقتضيه اللغة، وقيل: معناه أرضى وقيل: قنع عبده


(١) . لم أجده بهذا اللفظ وجاء في تخريج أحاديث الإحياء ج ٤ ص ٤٢٤. تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره. وعزاه لأبي نعيم في الحلية وإسناده ضعيف والطبراني في الأوسط عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>