للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقولنّ أحدكم زرعت ولكن يقول حرثت «١» والمراد بالحرث قلب الأرض وإلقاء الزريعة فيها وقد يقال لهذا زرع ومنه قوله يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ [الفتح: ٢٩]

لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ الحطام اليابس المفتت وقيل: معناه تبن بلا قمح فظلتم تفكهون أي: تطرحون الفاكهة وهي المسرة، يقال: رجل فكه إذا كان مسرورا منبسط النفس ويقال: تفكه إذا زالت عنه الفكاهة فصار حزينا، لأن صيغة تفاعل تأتي لزوال الشيء كقولهم: تحرج وتأثم إذا زال عنه الحرج والإثم. فالمعنى: صرتم تحزنون على الزرع لو جعله الله حطاما. وقد عبر بعضهم عن تفكهون بأن معناه: تتفجعون وقيل: تندمون وقيل:

تعجبون وهذه معان متقاربة والأصل ما ذكرنا إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ تقديره: تقولون ذلك لو جعل الله زرعكم حطاما والمغرم المعذب. لأن الغرام هو أشد العذاب، ويحتمل أن يكون من الغرم أي مثقلون بما غرمنا من النفقة على الزرع، والمحروم الذي حرمه الله الخير.

مِنَ الْمُزْنِ هي السحاب، والأجاج الشديد الملوحة، فإن قيل: لم ثبتت اللام في قوله لو نشاء لجعلناه حطاما وسقطت في قوله: لو نشاء جعلناه أجاجا؟ فالجواب من وجهين أحدهما أنه أغنى إثباتها أولا عن إثباتها ثانيا مع قرب الموضعين. والآخر أن هذه اللام تدخل للتأكيد، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن الطعام أوكد من الشراب، لأن الإنسان لا يشرب إلا بعد أن يأكل النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أي تقدحونها من الزناد، والزناد قد يكون من حجرين ومن حجر وحديدة، ومن شجر وهو المرخ والعفار ولما كانت عادة العرب في زنادهم من شجر، قال الله تعالى «أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها» أي الشجرة التي توقد النار منها. وقيل: أراد بالشجرة نفس النار كأنه يقول: نوعها أو جنسها فاستعار الشجرة لذلك وهذا بعيد نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً أي تذكر بنار جهنم وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ المتاع ما يتمتع به، ويحتمل المقوين أن يكون من الأرض القواء وهي الفيافي، ومعنى المقوين الذين دخلوا في القواء، ولذلك عبر ابن عباس عنه بالمسافرين، ويحتمل أن يكون من قولهم: أقوى المنزل إذا خلا فمعناه الذين خلت بطونهم أو موائدهم من الطعام، ولذلك عبّر بعضهم عنه بالجائعين.

فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ لا في هذا الموضع وأمثاله زائدة، وكأنها زيدت لتأكيد القسم، أو لاستفتاح الكلام نحو ألا. وقيل: هي نافية لكلام الكفار كأنه يقول: لا صحة


(١) . الحديث المذكور رواه الإمام الطبري في تفسيره بسنده إلى أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>