للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلف في هذا اليوم على قولين: أحدهما أنه يوم القيامة والآخر أنه في الدنيا والصحيح أنه يوم القيامة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مانع الزكاة: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له صفائح من نار يكوى بها جبينه وجنبه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد» «١» يعني يوم القيامة ثم اختلف هل مقداره خمسون ألف سنة حقيقة؟ وهذا هو الأظهر، أو هل وصف بذلك لشدة أهواله؟ كما يقال: يوم طويل إذا كان فيه مصائب وهموم، وإذا قلنا إنه في الدنيا فالمعنى أن الملائكة والروح يعرجون في يوم لو عرج فيه الناس لعرجوا في خمسين ألف سنة وقيل: الخمسون ألف سنة هي مدة الدنيا والملائكة تعرج وتنزل في هذه المدة، وهذا كله على أن يكون قوله: في يوم يتعلق بتعرج ويحتمل أن يكون في يوم صفة للعذاب، فيتعين أن يكون اليوم يوم القيامة والمعنى على هذا مستقيم.

فَاصْبِرْ هذا متصل بما قبله من العذاب وغيره، أي: اصبر على أقوال الكافرين حتى يأتيهم العذاب، ولذلك وصفه بالقرب مبالغة في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً يحتمل أن يعود الضمير على العذاب، أو على اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة، والبعيد يحتمل أن يراد به بعد الزمان أو بعد الإمكان، وكذلك القرب يحتمل أن يراد به قرب الزمان لأن كل آت قريب، ولأن الساعة قد قربت، وقرب الإمكان لقدرة الله عليه يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ يوم هنا بدل من يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، أو بدل من الضمير المنصوب في نراه أو منصوب بقوله: قريبا أو بقوله يود المجرم أو بفعل مضمر تقديره: أذكر والمهل: هو دردي الزيت شبه السماء به في سوادها وانكدار أنوارها يوم القيامة، وقيل: هو ما أذيب من الفضة ونحوها شبّه السماء به في تلوّنه وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ العهن هو الصوف، شبّه الجبال به في انتفاشه وتخلخل أجزائه وقيل: هو الصوف المصبوغ ألوانا فيكون التشبيه في الانتفاش، وفي اختلاف الألوان، لأن الجبال منها بيض وسود وحمر وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً الحميم هنا الصديق والمعنى لا يسأل أحد من حميمه نصرة ولا إعانة لعلمه أنه لا يقدر له على شيء، وقيل: لا يسأله عن حاله لأن كل أحد مشغول بنفسه.

يُبَصَّرُونَهُمْ يقال: بصر الرجل بالرجل إذا رآه، وبصّرته إياه بالتشديد إذا أريته إياه، والضميران يعودان على الحميمين لأنهما في معنى الجمع، والمعنى أن كل حميم يبصر حميمه يوم القيامة فيراه ولكنه لا يسأله «٢» وَصاحِبَتِهِ يعني امرأته وَفَصِيلَتِهِ يعني القرابة الأقربين تُؤْوِيهِ أي تضمه، فيحتمل أن يريد تضمه في الانتماء إليها أو في نصرته وحفظه


(١) . رواه الإمام أحمد ج ٢ ص ٢٦٢ وص ٣٨٣ بطوله وأوله: ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه.. من حديث أبي هريرة.
(٢) . في بقية الآية: مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ قرأ نافع والكسائي: يومئذ بفتح الميم. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>