للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه واله وسلّم: أي الأعمال أفضل؟ قال: ذكر الله، قيل الذكر أفضل أم الجهاد في سبيل الله؟

فقال: لو ضرب المجاهد بسيفه في الكفار حتى ينقطع سيفه ويختضب دما: لكان الذاكر أفضل منه «١» . الوجه الثاني: أنّ الله تعالى حيث ما أمر بالذكر، أو أثنى على الذكر: اشترط فيه الكثرة، فقال: اذكروا الله ذكرا كثيرا، والذاكرين الله كثيرا، ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال الوجه الثالث: أنّ للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره: وهي الحضور في الحضرة العلية، والوصول إلى القرب بالذي عبر عنه ما ورد في الحديث من المجالسة والمعية، فإنّ الله تعالى يقول: أنا جليس من ذكرني «٢» ، ويقول: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني» متفق عليه من حديث أبي هريرة. وفي رواية البيهقي: وأنا معه حين يذكرني.

وللناس في المقصد بالذكر مقامان: فمقصد العامة اكتساب الأجور، ومقصد الخاصة القرب والحضور، وما بين المقامين بون بعيد. فكم بين من يأخذ أجره وهو من وراء حجاب، وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب.

واعلم أن الذكر على أنواع كثيرة: فمنها التهليل، والتسبيح، والتكبير، والحمد، والحوقلة، والحسبلة، وذكر كل اسم من أسماء الله تعالى، والصلاة على النبي صلّى الله عليه واله وسلّم، والاستغفار، وغير ذلك. ولكل ذكر خاصيته وثمرته. وأما التهليل: فثمرته التوحيد: أعني التوحيد الخاص فإنّ التوحيد العام حاصل لكل مؤمن، وأما التكبير: فثمرته التعظيم والإجلال لذي الجلال، وأما الحمد والأسماء التي معناها الإحسان والرحمة كالرحمن الرحيم والكريم والغفار وشبه ذلك: فثمرتها ثلاث مقامات، وهي الشكر، وقوة الرجاء، والمحبة. فإنّ المحسن محبوب لا محالة. وأما الحوقلة والحسبلة: فثمرتها التوكل على الله والتفويض إلى الله، والثقة بالله: وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك كالعليم والسميع والبصير والقريب وشبه ذلك: فثمرتها المراقبة. وأما الصلاة على النبي صلّى الله عليه واله وسلّم: فثمرتها شدّة المحبة فيه، والمحافظة على اتباع سنته، وأما الاستغفار: فثمرته الاستقامة على التقوى، والمحافظة على شروط التوبة مع إنكار القلب بسبب الذنوب المتقدّمة.

ثم إنّ ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصفات مجموعة في الذكر الفرد وهو قولنا:

الله، الله. فهذا هو الغاية وإليه المنتهى

اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ أي بمعونته

وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ قيل إنها نزلت في الشهداء المقتولين


(١) . رواه الترمذي في كتاب الدعاء ص ٤٥٨ ج ٥ عن أبي سعيد الخدري وأوله: أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات، قلت ومن الغازين في سبيل الله؟ قال لو ضرب» .
(٢) . قال عنه العجلوني في كشف الخفاء: رواه البيهقي في الشعب عن أبي بن كعب أوله: قال موسى عليه السلام يا رب: أقريب أنت فأناجيك أو بعيد فأناديك؟ فقيل له يا موسى: أنا ... » .

<<  <  ج: ص:  >  >>