للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيه، ويصلى فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، ليثبت لهم الفضل والزيادة على إخوتهم، وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين، فلما انهزمت هوازن خرج هارباً إلى الشام، وأرسل إلى المنافقين.

أن استعدّوا بما استطعتم من قوة وسلاح، فإنى ذاهب إلى قيصر وآت بجنود ومخرج محمداً وأصحابه من المدينة، فبنوا مسجداً بجنب مسجد قباء، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية، ونحن نحب أن يصلى لنا فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال صلى الله عليه وسلم: إنى على جناح سفر وحال شغل، وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه، فلما قفل من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد، فنزلت عليه، فدعا بمالك بن الدخشم ومعن بن عدى وعامر بن السكن ووحشى قاتل حمزة، فقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه، ففعلوا، وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة، ومات أبو عامر بالشام بقنسرين ضِراراً مضارّة لإخوانهم أصحاب مسجد فباء ومعازة وَكُفْراً وتقوية للنفاق وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لأنهم كانوا يصلون مجتمعين في مسجد قباء فيغتص «١» بهم، فأرادوا أن يتفرقوا عنه وتختلف كلمتهم وَإِرْصاداً وإعداداً «ل» أجل لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وهو الراهب: أعدوه له ليصلى فيه ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: كل مسجد بنى مباهاة أو رياء وسمعة أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله أو بمال غير طيب، فهو لاحق بمسجد الضرار. وعن شقيق أنه لم يدرك الصلاة في مسجد بنى عامر، فقيل له: مسجد بنى فلان لم يصلوا فيه بعد، فقال: لا أحب أن أصلى فيه، فإنه بنى على ضرار، وكل مسجد بنى على ضرار أو رياء أو سمعة فإنّ أصله ينتهى إلى المسجد الذي بنى ضراراً. وعن عطاء: لما فتح الله تعالى الأمصار على يد عمر رضى الله عنه أمر المسلمين أن يبنوا المساجد وأن لا يتخذوا في مدينة مسجدين يضارّ أحدهما صاحبه. فإن قلت: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا ما محله من الإعراب؟ قلت: محله النصب على الاختصاص. كقوله الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وقيل: هو مبتدأ خبره محذوف، معناه: وفيمن وصفنا الذين اتخذوا كقوله وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ، فإن قلت: بم يتصل قوله مِنْ قَبْلُ؟ قلت. باتخذوا، أى اتخذوا مسجداً من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف إِنْ أَرَدْنا ما أردنا ببناء هذا المسجد إِلَّا الخصلة الْحُسْنى أو الإرادة الحسنى، وهي الصلاة. وذكر الله والتوسعة على المصلين


(١) . قوله «فيغتص» أى يمتلئ اه. (ع)