للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٥ الى ١١٦]

وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦)

يعنى ما أمر الله باتقائه واجتنابه كالاستغفار للمشركين وغيره مما نهى عنه وبين أنه محظور لا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للإسلام، ولا يسميهم ضلالا، ولا يخذلهم إلا إذا أقدموا عليه بعد بيان حظره عليهم وعلمهم أنه واجب الاتقاء والاجتناب. وأما قبل العلم والبيان فلا سبيل عليهم، كما لا يؤاخذون بشرب الخمر ولا ببيع الصاع بالصاعين قبل التحريم. وهذا بيان لعذر من خاف المؤاخذة بالاستغفار للمشركين قبل ورود النهى عنه. وفي هذه الآية شديدة ما ينبغي أن يغفل عنها: وهي أنّ المهدىَّ للإسلام إذا أقدم على بعض محظورات الله داخل في حكم الإضلال.

والمراد بما يتقون: ما يجب اتقاؤه للنهى، فأما ما يعلم بالعقل «١» كالصدق «٢» في الخبر، وردّ الوديعة فغير موقوف على التوقيف.

[[سورة التوبة (٩) : آية ١١٧]]

لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧)

تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ كقوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وقوله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وهو بعث للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي والمهاجرون والأنصار، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله، وأن صفة التوابين الأوّابين صفة الأنبياء، كما وصفهم بالصالحين ليظهر فضيلة الصلاح. وقيل: معناه تاب الله عليه من إذنه للمنافقين في التخلف عنه، كقوله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ. فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ في وقتها، والساعة مستعملة في معنى الزمان المطلق، كما استعملت الغداة والعشية واليوم:


(١) . قال محمود: «فأما ما يدرك حظره بالعقل … الخ» قال أحمد: هذا تفريع على قاعدة التحسين والتقبيح، وأن العقل حاكم، والشرع كاشف لما غمض عليه، تابع لمقتضاه. وهذه القاعدة قد سبق بطلانها في غير ما موضع، والله الموفق.
(٢) . قوله «فأما ما يعلم بالعقل كالصدق» مبنى على مذهب المعتزلة أن الحكم قد يعلم بالعقل وعند أهل السنة لا حكم قبل الشرع. (ع)