للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمراد بالفصاحة: أنه على ألسنة الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم أدور، وهم له أكثر استعمالا. وقرأ أبو حيوة، ورويت عن نافع: مِثْلُ ما أَصابَ، بالفتح لإضافته إلى غير متمكن، كقوله:

لَمْ يَمْنَعِ الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ «١»

وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ يعنى أنهم أهلكوا في عهد قريب من عهدكم، فهم أقرب الهالكين منكم. أولا يبعدون منكم في الكفر والمساوى وما يستحق به الهلاك. فان قلت:

ما لبعيد لم يرد على ما يقتضيه قوم من حمله على لفظه أو معناه «٢» ؟ قلت: إما أن يراد: وما إهلاكهم ببعيد، أو ما هم بشيء بعيد أو بزمان أو مكان بعيد. ويجوز أن يسوى في قريب وبعيد، وقليل وكثير، بين المذكر والمؤنث لورودها على زنة المصادر التي هي الصهيل والنهيق ونحوهما رَحِيمٌ وَدُودٌ عظيم الرحمة للتائبين، فاعل بهم ما يفعل البليغ المودّة بمن يودّه، من الإحسان والإجمال.


(١) .
ثم ارعويت وقد طال الوقوف بنا … فيها فصرت إلى وجناء شملال
تعطيك مشيا وإرقالا ودأدأة … إذا تسربلت الآكام بالآل
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت … حمامة فوق غصن ذات أو قال
لأبى قيس بن رقاعة يصف ناقته. وقوله «فيها» أى في دار المحبوبة. وللوجناء: الشديدة الصلبة. والشملال:
الخفيفة السريعة. والإرقال والدأدأة: نوعان من السير، وقد شبه استتار الآكام وهي الجبال الصغيرة بالآل، وهو السراب الذي يرى في الهاجرة أبيض يشبه الماء في جريانه على وجه الأرض، بالتسربل وهو لبس السرابيل: أى الثياب على طريق التصريحية، ثم وصفها بحدة الفؤاد وهو محمود عندهم، أو بحنينها إلى وطنها، وعطفها لما سمعت صوت الحمامة. والشرب- بالكسر: - النصيب من الماء. وبالضم المصدر. والأوقال: جمع وقل كجبل وهي الحجارة، أو البقايا التي بقيت في جذع الشجرة بعد تقليم بعض أغصانها، بارزة يمكن الارتقاء عليها. يقول: لم يمنع نصيبها من الماء عنها، أو لم يمنعها من شربها الماء. ففيه قلب على الثاني وغير فاعل لأنه تضرع إليه العامل» وبنى على الفتح لاضافته إلى مبنى، واستعار النطق لتغريد الحمامة على سبيل التصريحية، وكأنها كانت داخل الغصون فسمعت الناقة صوتها ولم ترها ففزعت. أو كانت على غصن من الشجرة فكان تغريدها مطربا لذيذا، فحنت الناقة إلى وطنها. وذات أو قال: وصف لغصن، لأنه جمع غصن كما قيل في فلك، المفرد والجمع باعتبار التغير التقديري.
ويجوز أن يقرأ باضافة غصن إلى ذات، والمعنى: غصن أرض أو شجرة ذات أو قال، لكن الأول أحسن في الوزن.
وقد روى: في غصون ذات أو قال، أى: ذات قطع بارزة بعد التعليم، فتكون مشوهة المنظر توجب النفرة والوحشة، أو صاحبه أحجار، فتكون أنضر حيث ترى مخضرة وسط أرض قفرة، أو لتكون في غير محلها فتوجب حنين الناقة إلى محلها أو فزعها لغرابة ذلك. وقيل: إنه جمع «وقل» بالسكون، وهو شجر المقل. وقيل: يجوز أنه من وقل كوعد إذا صعد، أى ذات ارتفاعات.
(٢) . قوله «على ما يقتضيه قوم من عمله» وذلك بأن بعامل معاملة المؤنث، نحو كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ أو معاملة جمع الذكور، نحو إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ لأن الأول مقتضى حمله على لفظه، كما سيأتى في سورة الشعراء، من أن القوم مؤنثة وتصغيرها قويمة، والثاني مقتضى حمله على معناه وهو ظاهر. (ع)