للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٣]]

وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)

ثم أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه، لئلا يكون لها مزكيا وبحالها في الأمانة معجباً ومفتخراً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» «١» وليبين أنّ ما فيه من الأمانة ليس به وحده، وإنما هو بتوفيق الله ولطفه وعصمته فقال وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي من الزلل، وما أشهد لها بالبراءة الكلية ولا أزكيها. ولا يخلو، إمّا أن يريد في هذه الحادثة، لما ذكرنا من الهمّ الذي هو ميل النفس عن طريق الشهوة البشرية لا عن طريق القصد والعزم. وإمّا أن يريد به عموم الأحوال إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ أراد الجنس، أى إنّ هذا الجنس يأمر بالسوء ويحمل عليه بما فيه من الشهوات إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إلا البعض الذي رحمه ربى بالعصمة كالملائكة. ويجوز أن يكون ما رَحِمَ في معنى الزمن، أى: إلا وقت رحمة ربى، يعنى أنها أمّارة بالسوء في كل وقت وأوان، إلا وقت العصمة. ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً، أى:

ولكن رحمة ربى هي التي تصرف الإساءة، كقوله وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً وقيل معناه: ذلك ليعلم أنى لم أخنه لأنّ المعصية خيانة. وقيل: هو من كلام امرأة العزيز، «٢» أى ذلك الذي قلت ليعلم


(١) . أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة، دون قوله «ولا فخر» وذكره بإثباتها أبو نعيم في الدلائل، من رواية سهيل عن أبيه عنه في أثناء حديث. ورواه ابن أبى عاصم في الآداب له من حديث عائشة بإثباتها. وأخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وواثلة وأبى بكر الصديق. ورواه الترمذي من رواية أبى نضرة عن أبى سعيد بلفظ «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» الحديث وقال: حسن. ورواه بعضهم عن أبى نضرة ابن عامر. وهو عند أحمد وأبى يعلى وأبى نعيم والبيهقي في الدلائل. وهما من طريق أبى نضرة قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فذكره. ولحديث ابن عباس طريق آخر أخرجها الدارقطني في الأفراد من رواية خارجة بن مصعب. وهو ضعيف عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وأخرى عن ابن مردويه في أثناء حديث الاسراء بإسناد واه. وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند الحاكم وإسناده منقطع وعن أنس عن البزار. وفيه مبارك بن سحيمة. وهو متروك، وعند أبى يعلى وفيه زيادة بن ميمون البختري وعن عبد الله بن سلام أخرجه أبو يعلى والطبراني من رواية بشر بن شفاف عنه. وهو معلول. والمحفوظ عن بشر بن شفاف عن عبد الله بن عمرو. وعن جابر أخرجه الحاكم. وفيه القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل. وهو متروك.
(٢) . عاد كلامه. قال: «وقيل ذلك كله كلام امرأة العزيز أى ذلك الذي قلت … الخ» قال أحمد: وإنما يجرى الكلام على هذا الوجه إذا ألجأ إليه محوج، كقوله فَماذا تَأْمُرُونَ إذ لا يمكن جعله من قول الملأ بوجه، فتعين أنّ يصرف الضمير عنه إلى فرعون. وأما هذه الآية فهي تتلو قوله وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ إلى ما قبل ذلك من الضمائر العائدة إلى يوسف عليه السلام قطعاً، ولا ضرورة تدعو إلى حمل الضمير في لِيَعْلَمَ على العزيز وجعله من كلام يوسف، وقد تضمنته الآية المصدرة بقول زليخا، وذلك قوله قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ وفي سياق الآية ما يرشد إلى أن هذا القول جرى منها ويوسف عليه السلام بعد في السجن لم يحضر إلى الملك، وأنه لما تحتمت براءته بقولها بعث يخرجه من السجن، فذلك قوله وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي.