للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له في طيه، وقد حمل على ما خلق في الجنة والنار، مما لم يبلغه وهم أحد، ولا خطر على قلبه.

[[سورة النحل (١٦) : آية ٩]]

وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)

المراد بالسبيل: الجنس، ولذلك أضاف إليها القصد وقال وَمِنْها جائِرٌ. والقصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد. يقال: سبيل قصد وقاصد، أى: مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه. ومعنى قوله وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ أنّ هداية الطريق الموصل «١» إلى الحق واجبة عليه، «٢» كقوله إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى. فإن قلت: لم غير أسلوب الكلام في قوله وَمِنْها جائِرٌ؟ قلت: ليعلم ما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لا يجوز، ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة «٣» لقيل: وعلى الله قصد السبيل وعليه جائرها أو وعليه الجائر. وقرأ عبد الله:

ومنكم جائر، يعنى: ومنكم جائر جار عن القصد بسوء اختياره، والله بريء منه وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ قسراً وإلجاء «٤» .

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠ الى ١١]

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)


(١) . قال محمود: «ومعناه أن هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة … الخ» قال أحمد: أين يذهب به عن تتمة الآية. وذلك قوله تعالى وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ولو كان الأمر كما تزعم القدرية لكان الكلام: وقد هداكم أجمعين. وما كأنهم إلا يؤمنون ببعض الكتاب ويكافرون ببعض، فان ذهبوا إلى تأويل الهداية بالقسر والإلجاء، فما كأنهم إلا يحرفون الكلم من بعد مواضعه. وأما المخالفة بين الأسلوبين، فلأن سياق الكلام لاقامة حجة الله تعالى على الخلق بأنه بين السبيل القاصد والجائر، وهدى قوما اختاروا الهدى، وأضل قوما اختاروا الضلالة لأنفسهم. وقد تقدم في غير ما موضع أن كل فعل صدر على يد العبد فله اعتباران، هو من حيث كونه موجوداً مخلوق لله تعالى ومضاف إليه بهذا الاعتبار، وهو من حيث كونه مقترنا باختيار العبد له وبتأتيه له وتيسره عليه يضاف إلى العبد، وأن تعدد هذين الاعتبارين ثابت في كل فعل، فناسب إقامة الحجة على العباد إضافة الهداية إلى الله تعالى باعتبار خلقه لها، وإضافة الضلال إلى العبد باعتبار اختياره له، والحاصل أنه ذكر في كل واحد من الفعلين نسبة غير النسبة المذكورة في الآخر، ليناسب ذلك إقامة الحجة قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ والله الموفق للصواب.
(٢) . قوله «الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه» هذا مذهب المعتزلة ولا وجوب عليه تعالى عند أهل السنة، بل ذلك فضل منه تعالى، لكن الكريم يبرز الوعد بالخير في صورة الواجب. (ع)
(٣) . قوله «ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقيل: وعلى الله قصد السبيل» يعنى أهل السنة من أنه تعالى يخلق الشر كالخير. وقوله «لقيل» الخ: الملازمة ممنوعة لأن الكريم يحب الخير دون الشر، وإن كان كل منهما من عنده قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. (ع)
(٤) . قوله «ولو شاء لهداكم أجمعين قسراً وإلجاء» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فانه لو شاء لهدى الكل اختياراً، وذلك أن المعتزلة أوجبوا على الله الصلاح، وهداية الكل صلاح، فظاهر الآية يخالف مذهبهم. ولذا قالوا: إنه أراد هداية الكل، لكن إرادة لا تنافى تخيير العبد، لئلا يبطل تكليفه. وهذه الارادة لا تستلزم وقوع المراد. وأهل السنة لم يوجبوا على الله تعالى شيئا، وكل ما أراده الله لا بد من وقوعه. وهذه الارادة لا تنافى اختيار العبد عندهم لما تقرر له من الكسب، كما بين في علم التوحيد. (ع)