للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التنقص. قال: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم، قال شاعرنا. وأنشد البيت.

فقال عمر: أيها الناس، عليكم بديوانكم لا يضل. قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث يحلم عنكم، ولا يعاجلكم مع استحقاقكم.

[[سورة النحل (١٦) : آية ٤٨]]

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨)

قرئ: أو لم يروا. ويتفيؤا، بالياء والتاء. وما موصولة بخلق الله، وهو مبهم بيانه مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ واليمين، بمعنى الأيمان. وسُجَّداً حال من الظلال. وَهُمْ داخِرُونَ حال من الضمير في ظلاله، لأنه في معنى الجمع وهو ما خلق الله من كل شيء له ظل، وجمع بالواو، لأن الدخور من أوصاف العقلاء، أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب. والمعنى: أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها، أى عن جانبي كل واحد منها. وشقيه استعارة من يمين الإنسان وشماله لجانبى الشيء، أى: ترجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيؤ، والأجرام في أنفسها داخرة أيضاً، صاغرة منقادة لأفعال الله فيها، لا تمتنع.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠)

مِنْ دابَّةٍ يجوز أن يكون بيانا لما في السموات وما في الأرض جميعا، على أنّ في السموات خلقا لله يدبون فيها كما يدب الأناسى في الأرض، وأن يكون بيانا لما في الأرض وحده، ويراد بما في السموات: الملائكة. وكرّر ذكرهم على معنى: والملائكة خصوصا من بين الساجدين، لأنهم أطوع الخلق وأعبدهم. ويجوز أن يراد بما في السموات: ملائكتهنّ.

وبقوله والملائكة: ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم، فإن قلت: سجود المكلفين مما انتظمه هذا الكلام خلاف سجود غيرهم، «١» فكيف عبر عن النوعين بلفظ واحد؟ قلت: المراد بسجود


(١) . قال محمود: «إن قلت سجود المكلفين مما انتظمه هذا الكلام خلاف سجود غيرهم، فكيف عبر عن النوعين بلفظ واحد … الخ» ؟ قال أحمد: وهذا ما يتمسك به لمن اختار تناول اللفظ الواحد لحقيقته ومجازه شمولا ولم يرد ذلك متناقضا، فان السجود يتناول هل المكلف حقيقة يتناول حال غير المكلف بطريق مجاز التشبيه، وقد أريد جميعا من الآية، والزمخشري ينكر ذلك في مواضع مررت عليها من كتابه، هذا وظاهر مراده هاهنا أن السجود عبارة عن قدر مشترك بين فعل المكلف وحال غير المكلف، وهو عدم الامتناع عند القدرية، وغرضه من ذلك أن يكون اللفظ متواطئا فيهما جميعا، ليسلم من الجمع بين الحقيقة والمجاز، لأنه يأبى ذلك، ولا ينم له هذا المقصد في الآية- والله أعلم- لأن كونها آية سجدة يدل على أن المراد من السجود المذكور فيها منسوبا للمكلفين هو الفعل الخاص المتعارف شرعا، الذي يكون ذكره سببا لفعلة سببية معتادة في عزائم السجود، لا القدر الأعم المشترك، والله أعلم.