للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جدّك، لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» . وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: «يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال: يا رب ألم تنفخ فىّ الروح من روحك؟ قال: بلى. قال: يا رب ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قال: ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى. قال: يا رب إن تبت وأصلحت أراجعى أنت إلى الجنة؟ قال: نعم «١» » واكتفى بذكر توبة آدم دون توبة حواء، لأنها كانت تبعا له، كما طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك. وقد ذكرها في قوله: (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) . فَتابَ عَلَيْهِ فرجع عليه بالرحمة والقبول. فإن قلت: لم كرر: (قُلْنَا اهْبِطُوا) ؟ قلت: للتأكيد ولما نيط به من زيادة قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً. فإن قلت: ما جواب الشرط الأول؟ قلت: الشرط الثاني مع جوابه كقولك: إن جئتني فان قدرت أحسنت إليك. والمعنى: فإما يأتينكم منى هدى برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم بدليل قوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) في مقابلة قوله: (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) فإن قلت: فلم جيء بكلمة الشك «٢» وإتيان الهدى كائن لا محالة لوجوبه؟ قلت: للإيذان بأنّ الإيمان باللَّه والتوحيد لا يشترط فيه بعثة الرسل وإنزال الكتب، وأنه إن لم يبعث رسولا ولم ينزل كتابا، كان الإيمان به وتوحيده واجباً لما ركب فيهم «٣» من العقول ونصب لهم من الأدلة ومكنهم من النظر والاستدلال. فإن قلت:

الخطيئة التي أهبط بها آدم «٤» إن كانت كبيرة فالكبيرة لا تجوز على الأنبياء، وإن كانت


(١) . موقوف. أخرجه الحاكم في ترجمة آدم، من فضائل الأنبياء، من رواية المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عنه.
(٢) . قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت لم جيء بكلمة الشك وإتيان الهدى كائن … الخ؟» . قال أحمد رحمه اللَّه:
هاتان زلتان زلهما فلزهما في قرن: الأولى: إيراد السؤال بناء على أن الهدى على اللَّه تعالى واجب. والثانية: بناء الجواب على أن الوجوب الشرعي يثبت بالعقل قبل ورود الشرع. والحق أن اللَّه تعالى لا يجب عليه شيء- تعالى عن الإيجاب رب الأرباب-. وإنما يدخل تحت ربقة التكاليف المربوب لا الرب. وأما وجوب النظر في أدلة التوحيد، فإنما يثبت بالسمع لا بالعقل، وإن كان حصول المعرفة باللَّه وتوحيده غير موقوف على ورود السمع، بل محض العقل كاف فيه باتفاق.
(٣) . قوله «واجبا لما ركب فيهم» هذا عند المعتزلة. وأما عند أهل السنة فلا حكم قبل الشرع. (ع)
(٤) . قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت الخطيئة التي أهبط بها آدم من الجنة … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه تعالى:
مقتضاه تأويل الآي المشعر ظاهرها بوقوع الصغائر من الأنبياء تنزيهاً لهم عنها. على أن تجويز الصغائر عليهم قد قال به طوائف من أهل السنة. وفي طى وقوعها إلطاف وزيادة في الالتجاء إلى اللَّه تعالى والتواضع له والإشفاق على الخطائين والدعاء لهم بالتوبة والمغفرة، كما نقل عن داود أنه كان بعد ابتلاء اللَّه له يدعو للخطائين كثيراً.
وعلى الجملة فالقدرى يجوز الصغائر على الأنبياء ويقول: إن اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر في حق الناس فلا جرم التزم الزمخشري ورود السؤال لأن آدم عليه السلام معصوم من الكبائر باتفاق فيلزم على قاعدة القدرية أن تكون صغيرة واجبة التكفير والمحو، غير مؤاخذ عليها ولا مستوجب بسببها عقوبة ولا شيئاً مما وقع. وهذا لا جواب للزمخشري عنه إلا الانصاف والرجوع عن المعتقدات الباطلة والمذاهب الماحلة ولقد شنع السؤال بقوله إن الذي جرى على آدم عليه السلام كالذي جرى على إبليس عليه اللعنة. ومعاذ اللَّه أن يكون الحالان سواء والعاقبتان كما تعلم: أن آدم عليه السلام خالد في النعيم المقيم وأن إبليس خالد في العذاب الأليم.