للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ كأنه قال: وإذا قرأت القرآن جعلنا على زعمهم أَنْ يَفْقَهُوهُ كراهة أن يفقهوه. أو لأنّ قوله وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً فيه معنى المنع من الفقه، فكأنه قيل: ومنعناهم أن يفقهوه. يقال: وحد يحد وحدا وحدة، نحو وعد يعدو عدا وعدة، ووَحْدَهُ من باب رجع عوده على بدئه، وافعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر سادّ مسدّ الحال، أصله: يحد وحده بمعنى واحدا، وحده. والنفور: مصدر بمعنى التولية. أو جمع نافر كقاعد وقعود، أى: يحبون أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون، فإذا سمعوا بالتوحيد نفروا بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ من الهزؤ بك وبالقرآن، ومن اللغو: كان يقوم عن يمينه إذا قرأ رجلان من عبد الدار، ورجلان منهم عن يساره، فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار. وبِهِ في موضع الحال كما تقول يستمعون بالهزؤ، أى هازئين. وإِذْ يَسْتَمِعُونَ نصب بأعلم، أى:

أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون وَإِذْ هُمْ نَجْوى وبما يتناجون به، إذ هم ذو ونجوى إِذْ يَقُولُ يدل من إذ هم مَسْحُوراً سحر فجنّ. وقيل: هو من السحر وهو الرئة، أى: هو يشر مثلكم ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون فَضَلُّوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه، فهو متحير في أمره لا يدرى ما يصنع.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٩ الى ٥١]

وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١)

لما قالوا: أئذا كنا عظاما قيل لهم كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً فردّ قوله: كونوا، على قولهم: كنا، كأنه قيل: كونوا حجارة أو حديدا ولا تكونوا عظاما، فإنه يقدر على إحيائكم والمعنى: أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم، ويردّه إلى حال الحياة وإلى رطوبة الحىّ وغضاضته بعد ما كنتم عظاما يابسة، مع أنّ العظام بعض أجزاء الحي، بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره، فليس ببدع أن يردّها الله بقدرته إلى حالتها الأولى، ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة ورطوبة الحىّ ومن جنس ما ركب منه البشر- وهو أن تكونوا حجارة يابسة أو حديدا مع أن طباعها الجسارة والصلابة- لكان قادرا على أن يردّكم إلى حال الحياة أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ يعنى أو خلقا مما يكبر عندكم عن قبول الحياة ويعظم في زعمكم على الخالق إحياؤه فإنه يحييه. وقيل: ما يكبر في صدورهم الموت. وقيل: السموات والأرض فَسَيُنْغِضُونَ