للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أى ماء أجدر بأن تقيلى فيه. ومنهم من ينزل فيقول: اتسع فيه، فأجرى مجرى المفعول به فحذف الجار ثم حذف الضمير كما حذف من قوله: أم مال أصابوا. ومعنى التنكير أن نفسا من الأنفس لا تجزى عن نفس منها شيئا من الأشياء، وهو الإقناط الكلى القطاع للمطامع.

وكذلك قوله: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ أى فدية لأنها معادلة للمفدى.

ومنه الحديث «لا يقبل منه صرف ولا عدل» «١» أى توبة ولا فدية. وقرأ قتادة: ولا يقبل منها شفاعة، على بناء الفعل للفاعل وهو اللَّه عز وجل، ونصب الشفاعة. وقيل: كانت اليهود تزعم أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم فأويسوا. فإن قلت: هل فيه دليل على أنّ الشفاعة لا تقبل للعصاة «٢» ؟ قلت: نعم، لأنه نفى أن تقضى نفس عن نفس حقاً أخلت به من فعل


(١) . متفق عليه من حديث على رضى اللَّه عنه رفعه «المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا، فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل- الحديث» ورواه عبد الرزاق وقال في آخره: والصرف والعدل: التطوع والفريضة. واتفقا عليه من حديث أنس نحوه. ولمسلم من حديث أبى صالح عن أبى هريرة رفعه: «بالمدينة حرم، فمن أحدث- فذكره» وغفل الطيبي فعزاه لأبى داود من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه، بلفظ «من تعلم صرف الكلام ليسبى به قلوب الناس لم يقبل اللَّه منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا» .
(٢) . قال محمود رحمه اللَّه: «هل فيه دليل على أن الشفاعة لا تقبل للعصاة … الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: أما من جحد الشفاعة فهو جدير أن لا ينالها. وأما من آمن بها وصدقها وهم أهل السنة والجماعة، فأولئك يرجون رحمة اللَّه. ومعتقدهم أنها تنال العصاة من المؤمنين، وإنما ادخرت لهم. وليس في الآية دليل لمنكريها، لأن قوله يوما أخرجه منكرا، ولا شك أن في القيامة مواطن، ويومها معدود بخمسين ألف سنة، فبعض أوقاتها ليس زمانا للشفاعة وبعضها هو الوقت الموعود وفيه المقام المحمود لسيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام. قد وردت آي كثيرة ترشد إلى تعدد أيامها واختلاف أوقاتها. منها قوله تعالى: (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) مع قوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) فيتعين حمل الآيتين على يومين مختلفين، متغايرين: أحدهما محل للتساؤل والآخر ليس محلا له، وكذلك الشفاعة، وأدلة ثبوتها لا تحصى كثرة، رزقنا اللَّه الشفاعة وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة