للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنّ النبىّ يجب أن يكون أعلم أهل زمانه وإمامهم المرجوع إليه في أبواب الدين؟ قلت:

لا غضاضة بالنبي في أخذ العلم من نبىّ مثله: وإنما بغض منه أن يأخذه ممن دونه. وعن سعيد ابن جبير أنه قال لابن عباس: إنّ نوفا ابن امرأة كعب يزعم أنّ الخضر ليس بصاحب موسى، وأنّ موسى هو موسى بن ميشا، فقال: كذب عدوّ الله «١» .

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٧ الى ٦٨]

قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨)

نفى استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد، «٢» كأنها مما لا يصح ولا يستقيم، وعلل ذلك بأنه يتولى أمورا هي في ظاهرها مناكير. والرجل الصالح- فكيف إذا كان نبيا- لا يتمالك أن يشمئز ويمتعض ويجزع إذا رأى ذلك ويأخذ في الإنكار. وخُبْراً تمييز، أى: لم يحط به خبرك بمعنى لم تخبره، فنصبه نصب المصدر.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٩]]

قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩)

وَلا أَعْصِي في محل النصب، عطف على صابِراً أى: ستجدني صابرا وغير عاص.

أولا في محل، عطفا على ستجدني. رجا موسى عليه السلام لحرصه على العلم وازدياده، أن يستطيع معه صبرا بعد إفصاح الخضر عن حقيقة الأمر، فوعده بالصبر معلقا بمشيئة الله، علما منه بشدّة الأمر وصعوبته، وأن الحمية التي تأخذ المصلح عند مشاهدة الفساد شيء لا يطاق، هذا مع علمه أن النبي المعصوم الذي أمره الله بالمسافرة إليه واتباعه واقتباسه العلم منه، برىّ من أن يباشر ما فيه غميزة في الدين، وأنه لا بد لما يستسمج ظاهره من باطن حسن جميل، فكيف إذا لم يعلم.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٠]]

قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠)


(١) . أخرجه ابن إسحاق في المغازي عن الحسن بن عمارة عن الحاكم عن سعيد بن جبير بهذا. وساق القصة كلها في الصحيحين بغير هذا اللفظ من رواية عمرو بن دينار عن سعيد.
(٢) . قال محمود: «نفى الاستطاعة على وجه التأكيد … الخ» قال أحمد: ومما يدل على أن موسى عليه السلام إنما حمله على المبادرة بالإنكار الالتهاب والحمية للحق: أنه قال حين خرق السفينة: أخرقتها لتغرق أهلها، ولم يقل لتغرقنا، فنسي نفسه واشتغل بغيره، في الحالة التي كل أحد فيها يقول نفسي نفسي، لا يلوى على مال ولا ولد، وتلك حالة الغرق، فسبحان من جبل أنبياءه وأصفياءه على نصح الخلق والشفقة عليهم والرأفة بهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.